للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتارة يتمناه من غير ضر ولا فتنة، فإن كان ممن وثق بعمله حبًّا لله وشوقًا إِلَى لقائه جاز، وسنذكره فيما بعد إِنَّ شاء الله تعالى.

وكذلك تمنيه عند حضور أسباب الشهادة اغتنامًا لها، كتمنيه عند حضور القتال فىِ سبيل الله أو الطاعون، وإن كان إحسانًا للظن به ففيه اختلاف بين السلف، وقد ورد تعليل النهي عن تمني الموت بأن هول المطلع شديد؛ فتمنيه من نوع تمني وقوع البلاء قبل نزوله ولا ينبغي ذلك كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَلَكِنْ وَسَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاثْبُتُوا" (١).

وسمع ابن عمر رجلًا يتمنى الموت فَقَالَ: لا تتمنى الموت فإنك ميت، ولكن سل الله العافية، فإن الميت ينكشف له عن هول عظيم (٢).

هو هول المطلع، ويرى عالماً لا عهد له به، فلا ينبغي للإنسان أن يستعجل ذلك.

وقد قال عمر عند موته: لو كان لي ما في الأرض لافتديت به من هول المطلع (٣).

وجزع الحسن بن علي عند موته وقال: إني أريد أن أشرف عَلَى ما لم أشرف عليه قط.

وكان الحسن البصري يقول عند موته: نفيسة ضعيفة وأمر هول عظيم، فإنا لله وإنا إِلَيْهِ راجعون.

وجزع حبيب بن محمد عند موته وجعل يقول: إني أريد أن أسافر سفرًا ما سافرته قط، إنني أريد أن أسلك طريقًا ما سلكته قط. أريد أن أزور سيدي ومولاي وما رأيته قط، أريد أن أشرف عَلَى أهوال ما شاهدت مثلها قط.


(١) أخرجه البخاري (٢٨٦٣)، ومسلم (١٧٤١).
(٢) أخرجه عبد بن حميد في "المنتخب" بهذا اللفظ رقم (٣٣٠).
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٧/ ١٠٠)، والطبراني في "الأوسط" (٥٧٩)، وابن حبان (٦٨٩١ - إحسان)، والحاكم في "المستدرك" (٣/ ٩٠ علمية).
وقال الهيثمي في "المجمع" (٩/ ٧٦): ... وإسناده حسن.