للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا ينتفع العبدُ من ماله إلا بما قدَّمه لنفسه، وأنفقه في سبيل الله- عز وجل.

فأمَّا ما أكله ولبسه فإنه لا له ولا عليه، إلا أن يكون فيه نيةٌ صالحةٌ.

وقيل: بل يثاب عليه مطلقًا.

فأمَّا ما أنفقه في المعاصي فهو عليه لا له، وكذلك ما أمسكه ولم يؤد حق الله عز وجل منه؛ فإنه يمثَّلُ له شجاعًا أقرع، يتبعه وهو يفرُّ منه، حتى يأخذ (بلهزمتيه) (١) ويقول: أنا مالك! أنا كنزك، ويلقمه يده فيقضمها قضم الفحل (٢).

وإن كان المكنوز ذهبًا أو فضةٌ جُعل صفائح، فأحمي عليها، ثم كُوي بها جبينه وجبهته وجنبه.

لا تدخر غير التقى فالمال لا يدخرُ ... فأخر لأمر بنا اعتدلوا واعتبروا

فمن تحقَّق هذا، فليقدِّم لنفسه من ماله ما يحبُّ، فإنه إذا قدَّمه كان له وبين يديه، ينتفع به في دار الإقامة.

وإذا خلَّفه كان لغيره لا له، وقد يكون هو ممن يحبسه عن النفقة في سبيل الله، فيراه يوم القيامة في ميزان غيره، فيتحسر عَلَى ذلك، فيدخل هو بماله النار، ولدخل وارثه به الجنة! ".

فالعاقل هو من قدم من ماله ما يحبه، فيفوز به في دار الإقامة؛ فإن من أَحَبّ شيئًا استصحبه معه، ولا يدعه لغيره، فيندم حين لا ينفعه الندم.

ذكر ابن أبي الدُّنْيَا من حديث عبد الله بن عبيد بن عمير مرسلاً "أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما لي لا أَحَبّ الموت؟ قال: لك مال؟ قال: نعم، قال: فقدمه؛ فإن قلب المرء مع ماله، إِنَّ قدمه أَحَبّ أن يلحق به، وإن أخره أَحَبّ أن يتأخر معه" (٣).


(١) لهزمتيه: يعني شدقيه. "اللسان" مادة: (لهزه).
(٢) أخرجه البخاري (١٤٠٣)، ومسلم (٩٨٧).
(٣) أخرجه ابن المبارك في كتاب "الزهد" (٦٣٤)، وأبو نعيم في "الحلية" (٣/ ٣٥٩).