للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أفرادًا إلى قومهم وروايتهم إليهم رواية آحاد، وكان في ردها أخطر الآثار ألا وهو القتال، ولكن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يرسل مع هؤلاء الرسل عددًا ليبلغ حد التواتر، وكان يستطيع أن يفعل ذلك فدل فعله على صحة ما تضمنه هذا الكتاب وأن خبر الآحاد إذا صدر عن ثقة يكون حُجَّةً في جميع الأمور، ولهذا قال الإمام الشافعي في " الرسالة ": «فَلاَ يَجُوزُ عِنْدِي عَنْ عَالِمٍ أَنْ يُثْبِتَ [خَبَرَ وَاحِدٍ كَثِيرًا، وَيُحِلُّ بِهِ، وَيُحَرِّمُ]، وَيَرُدَّ مِثْلَهُ: إِلاَّ مِنْ جِهَةِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ حَدِيثٌ يُخَالِفُهُ، أَوْ يَكُونَ مَا سَمِعَ، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ أَوْثَقَ عِنْدَهُ مِمَّنْ حَدَّثَهُ خِلاَفَهُ، أَوْ يَكُونَ مَنْ حَدَّثَهُ لَيْسَ بِحَافِظٍ، أَوْ يَكُونَ مُتَّهَمًا عِنْدَهُ، أَوْ يَتَّهِمَ مَنْ فَوْقَهُ مِمَّنْ حَدَّثَهُ، أَوْ يَكُونَ الحَدِيثُ مُحْتَمِلاً مَعْنَيَيْنِ، فَيَتَأَوَّلَُ فَيَذْهَبَُ إِلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ» (" الرسالة ": ص ١٠٠).

لقد أثر عن فقهاء الرأي عدم تخصيص عموم القرآن أو السنة المتواترة بأحاديث الآحاد وعدم الأخذ فيما زاد عن القرآن ولكنهم خالفوا ذلك في الأحكام العملية كانتقاض الوضوء بالضحك في الصلاة وبالنوم مضطجعًا، أما فقهاء مدرسة الحديث فيرون استقلال سُنَّةِ الآحاد بتشريع الأحكام كقضاء النبي بشاهد ويمين المدعي ورجم الزاني (١).

كما يرون أنها تخصص عام القرآن والسنة المتواترة لأن الدلالة هنا ظنية فيقوى خبر الآحاد على تخصيصها، بينما ترى مدرسة الرأي أن هذه الدلالة قطعية وكذلك دلالة الخاص قطعية فلا يخصص أحدهما الآخر إلا عند التعارض (٢) وأن عرف المتأخر منهما كان هو الناسخ فإذا لم يعرف يعمل بقطعي الثبوت منهما وهو القرآن والسنة المتواترة ومثلها المشهورة وإذا لم يعرف تاريخ العام أو الخاص كان العام هو الأخير احتياطًا (٣).


(١) و (٢) و (٣) " كشف الأسرار " للبزدوي: ج ٣ ص ١٠ وج ١ ص ٢٩١ عن " مناهج الاجتهاد ": ص ١٠٤، ١٢٣، ٦٠٢، و" بدائع الصنائع " للكاساني: ج ٥ ص ٤٥، و" إعلام الموقعين ": ج ٢ ص ٢٨٩.

<<  <   >  >>