للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الأمثلة على الدقة في الرواية:

٢ - الإمام علي قال: «كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ بِمَا شَاءَ [مِنْهُ]، وَإِذَا حَدَّثَنِي غَيْرُهُ اسْتَحْلَفْتُهُ، فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ» (١).

٣ - ومن الأمثلة على رد الرواية للشك في حفظ الراوي ما رواه الإمام مسلم أن عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قد ذكر لها أن عبد الله بن عمر روى حديثًا فيه: «إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الحَيِّ»، فقالت عائشة: «يَغْفِرُ اللَّهُ لأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ، وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ» إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَهُودِيَّةٍ يُبْكَى عَلَيْهَا، فَقَالَ: «إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا، وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا» (٢).

وإن كانت أم المؤمنين - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قد حفظت هذه الرواية ورجحتها بقول الله تعالى: {وَََلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤]، ومن ثم نسبت الخطأ أو النسيان إلى ابن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - ولكن ثبت أيضًا أن البخاري ومسلمًا رَوَيَا عن عمر بن الخطاب أن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الحَيِّ» وفي رواية «بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» (٣)، ولا يوجد تناقض بين الروايتين فقد قال ابن جرير الطبري وانتصر له ابن تيمية أنه يعذب بمعنى يتألم ويحزن لبكاء أهله عليه أو نياحتهم، وفسرها آخرون بمعنى يعاقب (وهذا يكون إذا صدرت منه وصية بذلك، وقد أخرج البخاري حديثًا آخر عن عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - ونصه: إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِخَطِيئَتِهِ وَذَنْبِهِ، وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الآنَ» (٤).


(١) " مناهج الاجتهاد في الإسلام " للأستاذ الدكتور محمد سلام مدكور: ص ٥٥٢، قد نقل هذا عن " تذكرة الحفاظ ": جـ ١ ص ٩.
(٢) " مختصر صحيح مسلم " للمنذري: جـ ١ ص ١٢٦، الحديث ٤٦٥.
(٣) و (٤) " نيل الأوطار " للشوكاني: جـ ٤ ص ١١٦، و" اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ": جـ ١ كتاب الجنائز، ص ١٨٦.

<<  <   >  >>