للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه المزاعم هي التي قال الله عنها: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: ٢٨].

فالظن في هذه الآيات وفي حديث " مسلم " «فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ» ليس هو اصطلاح الظنية الذي أتى بها العُلَمَاءُ المُحْدَثُونَ، والفرق شاسع بين المعنى في الحالتين.

فالظن الوارد في هذه الآية وارد في معرض ترك الحق الثابت باليقين واتباع الهوى الذي لا دليل عليه، وليس كذلك الظن المنسوب إلى أحاديث الآحاد، فإطلاق كلمة الظن على أحاديث الآحاد وهي في حقيقتها أكثر السنة النبوية وربطها بالمعنى الوارد عند بعضهم في عبارة «إن الأئمة قاطبة يرون أن أحاديث الآحاد لا تفيد إلا الظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا» خطأ مبين حيث أورد للظن معنى واحدًا حصره في المفهوم الذي اتبعه المشروكون في مواجهة حقائق القرآن، بينما الظن أصله «إِدْرَاك الذِّهْن الشَّيْء مَعَ تَرْجِيحه [وَقد يكون مَعَ اليَقِين]» (١)، وقد يرد في القرآن الكريم بمعنى اليقين كقول الله {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو اللَّهِ، كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: ٢٤٩]، وكقوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (٢).

وهذا القول غير صحيح لأن الأئمة قاطبة لم يقولوا إن أحاديث الآحاد ظينة الثبوت، فمنهم من قال إنها قطعية الثبوت كابن الصلاح والسيوطي وابن حزم وآخرين.

وأيضًا لأن من قال: إن هذه الأحاديث ظنية الثبوت لم يربط هذه


(١) " المعجم الوسيط ": جـ ٢ باب الظاء.
(٢) [سورة البقرة، الآيتان: ٤٥، ٤٦]

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) انظر " المعجم الوسيط ": مجمع اللغة العربية، الإدراة العامة للمعجمات وإحياء التراث، (باب الظاء)، ص ٥٧٨، الطبعة الرابعة: ١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٤ م، مكتبة الشروق الدولية.

<<  <   >  >>