للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثاني عشر: وأخيرًا فقد نقل عن ابن كثير أنه وقف على كلا (الشيخ) ابن تيمية مضمونه أنه نقل القطع بالحديث الذي تلقته الأمة بالقبول عن جماعات من أهل الإسلام، ثم قال ابن تيمية: «وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الحَدِيثِ قَاطِبَةً، وَمَذْهَبُ السَّلَفِ عَامَّةً» (١).

ولما كان ذلك كذلك، فقد أخطأ من ذكرنا ممن قالوا إن أحاديث الآحاد لا تفيد إلا ال ظن، كما أخطأ الشيخ محمود شلتوت خطأ فادحًا فيما قرره بقوله أجمع العلماء على أن أحاديث الآحاد لا تفيد عقيدة أو المغيبات (٢).

فلا إجماع على ذلك حسبما أوضحناه من قبل، وأحاديث الآحاد التي ثار خلاف حول كونها قطعية الثبوت أم لا، لا نجد بين علماء الأمة خلافًا حول وجوب العمل بها لأن وجوب العمل لا مجال لتقريره إلا لأن العلم بهذه السُنَّةِ يقيني وليس ظَنِّيًّا (٣).

فضلاً عن ذلك كله فإن ادعاء أن أحاديث الآحاد لا تفيد إلا الظن أو لا يعمل بها في العقائد ليس عليه أي دليل من القرآن أو السنة أو عمل الصحابة بل قامت هذه الأدلة وغيرها على أن الحديث النبوي إذا صحت نسبته إلى النبي يعمل به في جميع أمور الدين.

والشروط التي وضعها أصحاب هذا المعتقد تجعل الحديث المتواتر معدوم الوجود غالبًا عند جميع الفرق الإسلامية وإن وجد فهو في أربعة أحاديث أو خمسة، وجميع أمور الدين التي خول الله النبي تفصيلها وبيانها بالسنة هي أحاديث آحاد أجمع المسلمون على العمل بها ولكن الخلاف في مسألة العلم بها وهل هو ظني أو يقيني والحقيقة أن العمل لا يصح إلا إذا اعتقد المسلم بصحة الأمر به وقد استقر العمل بأحاديث الآحاد لاعتقاد المسلمين بثبوتها ويستوي أن يكون الثبوت على سبيل العلم القطعي أو اليقيني أو الظني.


(١) " العقيدة في الله " للشيخ عمر سليمان الأشقر: ص ٤٦.
(٢) " الإسلام عقيدة وشريعة ": ص ٧٥.
(٣) " الإحكام " لابن حزم: جـ ١ ص ١٠٨.

<<  <   >  >>