للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حلقة" لم يكن معروفًا لدى الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم-، إنما كان المعوَّل عليه هو عدالة الرواة وثقة الرواة.

متى كان الراوي ثقة -أي: عدلًا، ضابطًا، دقيقًا- نطمئن إلى سلامة ما رواه؛ فالحديث صحيح، وما دامت ثبتت صحته؛ وجب العمل به بإجماع الأمة.

إذن، قبل أن يصطلح علماء الإسلام على هذا التقسيم -المتواتر والآحاد، باعتبار عدد الرواة في كل حلقة- جميع أهل الإسلام من أجيال الصحابة والتابعين وأهل الخير وأهل السلف الصالح كانوا على قبول خبر الواحد الثقة، من أول السند إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يبحثون عن عدالة الرواة، وعن ضبط الرواة، والراوي الذي تتوافر فيه العدالة ويتوافر فيه الضبط إذا جمع بينهما معًا، هذا هو الثقة الذي اصطلحوا على تسميته بالثقة ...

الثقة: الراوي الذي ثبتت له العدالة وثبت له الضبط، بالمعايير التي اصطلحوا عليها في إثبات هذه الأمور للرواة الذين نقلوا لنا حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، إلى أن بدأت الفتن، ومن ضمن علاماتها: التشكيك في خبر الآحاد على يد متكلمي المعتزلة، ولم يكن ذلك إلا مع نهاية القرن الثاني الهجري أو بعده، ابتدءوا يتكلمون في خبر الآحاد وعن حجيته وعن تعريفه؛ فعرّفوه مثلًا في (شرح الأصول الخمسة) بأنه: ما لا يُعلم كونه صدقًا ولا كذبًا، واشترطوا العدد في الرواية، كما اشترطوا في الشهادة، وهم بذلك خرجوا عن إجماع الأمة التي كان المعوّل عليها عندهم على عدالة الرواة وضبطهم.

فالأمر اختلف من هذا التاريخ وبهذا الصنيع الذي بدأه بعض متكلمي المعتزلة وكما يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- في (مختصر الصواعق المرسلة): كان قصدهم من ذلك: رد الأخبار وتعطيل الأحكام، وتلقّف ما قالوه بعض الفقهاء الذين لم يكن لهم في العلم قدمٌ ثابتة، ولم يقفوا على مقصودهم من هذا القول.

<<  <   >  >>