للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى: من كان يقصد بعمله منافع هذه الدار العاجلة، من الاستمتاع بما فيها من المتع واللذائذ والذكر الحسن بين الناس دون أَن تخطُر الآخرة بباله، أَو يبتغي بعمله وجه ربه -كما هو شأن الكافر والمنافق- فإن الله تعالى يعجل له فى هذه الدار ما شاء تعجيله له من نعيمها ومنافعها، لا كل ما يريد العامل للدنيا.

وليس بضروري أن يجيبه فيها إلى شيء من مآربه، فإنه لا يعطى إلا من أراد إعطاءه فإن أعطاه فعل سبيل الاستدراج والكيد بسبب إصراره على الكفر، وليس في سبيل الجدارة والاستحاق - كما قال تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} وقد بين الله عاقبة هذا الصنف من الناس بقوله:

{ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا}:

أى ثم جعلنا له جزاءً على إهداره أُخراه وإيثاره دنياه، جعلنا له جهنم بدخلها ويقاسى حرها، ولا يقتصر أمره على ذلك، بل يضاف إليه الذم والإهانة والطرد من رحمة الله تعالى، فلهذا قال: {يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} فما أسوأه من مصير، وفى مثل ذلك يقول الله تعالى فى سورة الشورى: {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}.

١٩ - {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}:

أى ومن قصد بعمله الدار الآخرة وحسن الجزاء فيها، وجَدَّ في عملها اللائق بها وهو مصدق بربه ونبيه تصديقًا واثقًا لا تشوبه شائبة موهنة، فأولئك المصدقون المريدون الآخرة العاملون من أجلها كان سعيهم المتواصل مقبولا عند الله مثابا عليه أضعافًا مضاعفة، كما قال تعالى في سورة الشورى: (١) {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ}.

٢٠ - {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا}:

أي كلا ممن يسعى للعاجلة ومن يسعى للآخرة نمده ونزيده مرة بعد أُخرى، بحيث يكون اللاحق مددا للسابق -نمدُّ هؤلاء وهؤلاء- من عطاء ربك ونعمته، فصاحب العاجلة يمده الله حسب مشيئته تعالى بالنعم الدنيوية التي سعى إليها وآثرها على الآخرة، ولم يعطها حقها من


(١) أول الآية (١٠) منها.

<<  <  ج: ص:  >  >>