للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتبع: هو تبع الأكبر الحميرى، واسمه أسعد وكنيته أبو كُرَبٍ، وكان رجلًا صالحًا بين قومه الكافرين، أخرج الحاكم وصححه عن عائشة قالت: كان تبع رجلًا صالحًا، ألا ترى أَن الله ذم قومه ولم يذمه. وأخرج الإِمام أحمد وغيره عن سهل الساعدى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبوا تُبَّعا فإنه كان قد أسلم".

وأخرج ابن عساكر وابن المنذر عن ابن عباس قال: (سألت كعبا عن تبع، فإننى أسمع الله - تعالى - يذكر في القرآن قوم تبع ولا يذكر تبعا. فقال: إنه كان رجلًا من أهل اليمن ملكا منصورا، فسار بالجيوش حتى انتهى إلى سمرقند، فرجع فأخذ طريق الشام فأسر بها أحبارا، فانطلق نحو اليمن، حتى إذا دنا من مكة طار في الناس أنه هادم الكعبة، فقال له الأحبار: ما هذا الذي تحدث به نفسك؟ فإن هذا البيت لله، وإنك لن تسلط عليه؟ فقال: إن هذا لله - تعالى - وأنا أحق من حرَّمه، فأسلم من مكانه، وأحرم فدخلها محرما، فقضى نسكه ثم انصرف نحو اليمن راجعا، حتى إذا قدم على قومه ... ) إلى آخر مما ذكره كعب في هذا الأثر الطويل، وخلاصة ما ذكره بعدُ أنه طلب من قومه أَن يؤمنوا كما آمن فامتنعوا، فنزلت من السماء نار فأحرقت من لم يؤمن منهم (١).

والمعنى الإجمالي للآيات: كذب بالحق قبل قريش قومُ نوح، مع أنه كان ينصحهم ويطلب منهم الإيمان به، كما كذب به أصحاب الرس (٢) ممن بعث إليهم شعيب، أو هم قوم حنظلة ابن صفوان، وكذبت به ثمود قوم صالح وعاد قوم هود وفرعون وقومه، وقوم لوط وأصحاب الأشجار المجتمعة - الأيكة - وقوم تبع، كل هؤلاء كذبوا جميع رسلهم فحق عليهم وعيدى وثبتت عليهم كلمة العذاب في الدنيا بعذاب استأصل كفارهم، وفي الآخرة بعذاب ينتظرهم.

١٥ - (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ):

أي: أقصدنا خلقهم من تراب ثم من نطفة فعيينا وعجزنا عن تحقيق ما قصدناه وأردناه حتى يتوهم عجزنا عن الإعادة؟ كلا لم نعجز عن خلقهم كذلك، فلماذا ينكرون بعثنا إياهم


(١) انظر الآلوسي في شرح قوله - تعالى -: "أهم خير أم قوم تبع" في سورة الدخان، وقد أطال الكلام فيه، فارجع إليه إن شئت.
(٢) أي: أصحاب البئر التي لم تبن.

<<  <  ج: ص:  >  >>