للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تستغرق قلبه وتسيطر على باطنه، كما أَمره - عز وجل - أَن يعبده ظاهرا ويذكره بلسانه في قوله (وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ) ليكون الظاهر والباطن مشغولا بالله وحده.

هذا، واتفق أَئمة الإِسلام وعلماؤُه على مشروعية طلب ذكر الله، كما اتفقوا على أَن كلمة (لا إِله إِلا الله) هي أَفضل ما قاله الرسول والنبيون من قبله - صلى الله عليه وسلم - ولكن ما المراد من ذكر الله؟ هل يشمل ويضم كل العبادات؟ أَو هو نوع معين منها؟ ثم ما مقداره؟ وما هي أَفضل الأَوقات التي يطلب فيها وتكون أَرجى في الإِجابة؟ وهل هو مطلوب على سبيل الندب أَو على سبيل الحتم والوجوب؟ وما الحالة التي ينبغي أَن يكون عليها الذاكر عند ذكر ربه؟ أُمور اختلفوا فيها ولكل وجهة.

والذي يتضح لنا أَن الذكر هو عمل من أَعمال اللسان، وأَن لكل جارحة عبادتها الخاصة بها، وذلك عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث: "أَوصاني ربي بتسع ... " الخ الذي جاءَ فيه: "وأَن يكون نطقي ذكرا، وصمتي فكرا، ونظري عبرا"، وأَيضا فإِن إِطلاق الذكر على كل ما نطق به اللسان من العبادات فيه ضرب من التجوز؛ إذ قد عطف الأَمر بالتسبيح (وهو من عمل اللسان أَيضًا) على الأَمر بالذكر في قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) والعطف - كما يقولون - يقتضي المغايرة، نسأَل الله حسن التوفيق إِلى ما يحبه الله ويرضاه.

٩ - {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (٩)}:

أَي: هو سبحانه - رب المكان الذي تشرق فيه الشمس وتغرب؛ فهو رب الأَرض جميعًا ومالكها، ومدبر أَمرها وأَمر ما فيها، لا معبود بحق إلا هو، وما دام - سبحانه - مختصًا بالربوبية والأُلوهية فقد وجب على كل عاقل أَن يتخذه وكيلًا؛ فيسلم نفسه إِليه، ويعتمد ويتوكل عليه، ويفوض كل أَمره إِليه، فهو - جل شأنه - نعم الوكيل ونعم المولى والنصير، قال بعضهم: من رضي بالله - تعالى - وكيلا وجد إِلى كل الخير سبيلا.

١٠ - {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (١٠)}:

أَي: احبس نفسك على ما يصيبك من أَذى قومك وسفاهتهم التي يرمونك بها من صفات التعييب والتنقيص كقولهم: ساحر، شاعر، كاهن، مجنون إِلى غير ذلك مما

<<  <  ج: ص:  >  >>