للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أفضل المياه، ويعتبر طاهرا شرعا وطبعا ما لم يتغير أحد أوصافه، وكما أنزل الله من السماء الذكر الحكيم ليطهر به العقول والأفكار، أنزل منها الماء ليطهر به الأبدان من الأوساخ والأوضار.

وقوله تعالى هنا: {وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} بتقديم الأنعام على الأناسي إشارة إلى أن قوام حياة الناس بحياة أرضهم وحياة أنعامهم، فعامة معايشهم متعلقة بحياة الحيوان والنبات، إذ عليهما المعول في التغذية والاقتيات، والإنعام من الله بسقي أرضهم وأنعامهم هو في الحقيقة إنعام عليهم، لا يقل أهمية عن الإنعام بسقيهم أنفسهم. ووصف " الأناسي " بالكثرة في قوله تعالى: {وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} إشارة إلى أن النوع الإنساني سيتضاعف عدده على سطح الأرض مع مرور الزمن ويقول هل من مزيد، لكن لا ينقذه من عوزه وضيق عيشه إلا مدد إلهي جديد.

وعالج كتاب الله في هذا الربع ظاهرة أخرى تثير منتهى العجب والإعجاب عند كافة أولي الألباب، ألا وهي ظاهرة انقسام الماء إلى عذب فرات وملح أجاج، رغما عن كون الماء واحدا في تركيبه الخاص، ثم منع الاختلاط بينهما والامتزاج، رغما من التقاء الماء العذب مع الماء الأجاج، وذلك قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا} فالماء العذب ما تجود به الأمطار فتحمله الأنهار، وتخزنه العيون والآبار، ولو جمع هذا الماء في صعيد واحد لكان بحرا من أكبر البحار، لكن الله تعالى وزعه بين

<<  <  ج: ص:  >  >>