للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الآية: {وَمَا يُعْلِنُونَ}، لأن الإعلان من أفعال الجوارح، ولما كان المضمر في الصدور وهو ما ينطوي عليه القلب هو الداعي لما يظهر على الجوارح والسبب في إظهاره، قدم " الإكنان " على " الإعلان "، فقال تعالى: {مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} " وهذا من لطائف التفسير. ومثل هذا التحليل يوجد عند الرازي إذ قال: " ما تكنه صدورهم هو الدواعي والقصود، وهي أسباب لما يعلنون، وهي أفعال الجوارح ".

وبعد أن كشف كتاب الله الستار عن أعداء الإسلام، وأكد أن الله يعلم سرهم ونجواهم ولا تلتبس عليه أحوالهم، عمم القول بأن الله تعالى يعلم كل المغيبات لا يخفى عليه منها شيء لا في الأرض ولا في السماء، وأن ما قد ينكشف منها للخلق لا ينكشف ويبرز إلى الوجود، إلا في وقته المحدود، فقال تعالى: {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}، قال ابن شجرة: " المراد بالغائبة هنا جميع ما أخفى الله تعالى عن خلقه وغيبه عنهم، وهذا أمر عام ".

ولما كان الامر الثابت في القديم والحديث ما تعرضت له كتب اليهود والنصارى المنزلة، من تبديل وتغيير، وتحريف وتزوير، وحمى الله من ذلك كله كتابه الكريم والذكر الحكيم، إذ تعهد الله بحفظه {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: ٤٢] جعل سبحانه هذا الكتاب الإلهي المحفوظ حكما على الكتب الأخرى ورقيبا عليها، يبين لأهلها الحق من الباطل، والحالي من العاطل، ويفصل بينهم فيما اختلفوا فيه، فقال تعالى فيما سبق

<<  <  ج: ص:  >  >>