للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عصبية ونفوذا، طبقا (لاعتبارات الجاهلية) الخاصة، وذلك ما يحكيه عنهم قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} وكأن مشركي قريش كانوا بهذه الاعتبارات ينظرون إلى الموقف الذي وقفه قبلهم فرعون من موسى، عندما أخذ يحط من مقامه، مدعيا أنه غير أهل للرسالة، لأنه لا سلطان له ولا مال، ولا يلبس مثله أساورة من ذهب، وذلك ما حكاه كتاب الله عن فرعون في هذا الربع نفسه، إذ قال: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} (٥٣).

لكن كتاب الله رد على المشركين ادعاءهم، مبينا أن اعتباراتهم الواهية ما بين مادية وسياسية، لا عبرة بها عند الله، بالنسبة إلى النبوة والرسالة، وأن الله تعالى هو الذي يتولى اختيار الأنبياء والرسل، بمحض مشيئته، وأنه يختارهم لحكمة سامية هو المنفرد بعلمها قبل ظهورها للناس، وذلك قوله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ؟}، إشارة إلى أن النبوة والرسالة مظهر من مظاهر رحمة الله، وأنه يختص برحمته من يشاء كما يشاء، وأنه هو الذي (يعلم حيث يجعل رسالاته) دون بقية الخلق، فالرسالة عطية إلهية مجردة، واختيار إلهي صرف، بحيث لا ينفع فيها التمني، ولا تنال بالسعي والاكتساب، ولا بالاقتراح والترشيح من الأحباب والأصحاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>