للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبعدما لفت كتاب الله في الربع الماضي أنظار عباده إلى المنن التي امتن عليهم بها، ودعاهم إلى التنعم بها دون إسراف ولا إفراط، توجه الخطاب الإلهي في هذا الربع إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، داعيا إياه إلى التصدي بالرد على كل من يدعون الناس إلى أن يعيشوا عيشا غير كريم، والرد على كل من يدعونهم إلى أن يظهروا في المجتمع بمظهر دميم، مبينا لرسوله أن ذلك منهم مجرد تقول على الله وادعاء، ومحض افتراء، فقال تعالى مخاطبا لنبيه: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} أي أن الله تعالى أباحها، ودعا عباده إلى استعمالها، وما دام الحق سبحانه هو وحده المختص بالتحليل والتحريم وقد أحلها ولم يحرمها، فليست إذن بحرام.

ومما يستلفت النظر تعبير الآية الكريمة هنا بكلمة {زِينَةَ اللَّهِ} على حد التعبير الوارد في آية أخرى بكلمة {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}. ف {فِطْرَتَ اللَّهِ} وهي الإسلام تنسجم مع {زِينَةَ اللَّهِ} تمام الانسجام، والتزمت والرهبانية والحرمان إنما هي بدع ابتدعها المنحرفون عن الفطرة السليمة، من أتباع الملل والمذاهب السقيمة.

وقوله تعالى هنا: {الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} تنبيه إلى أن الحكمة الإلهية فيما خلقه الله من زينة وطيبات إنما هي إكرام الإنسان بسد حاجاته الضرورية، والترفيه عليه بشتى المتع والهبات الكمالية، على حد قوله تعالى في آية أخرى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}.

<<  <  ج: ص:  >  >>