للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لو تدبر المسلمون القرآن وعملوا بما فيه لسيرهم سعداء في أنفسهم وأهليهم، ولو وقفوا تحت رايته لسموا سمو المجد والعلاء، وتبوءوا مكان الشرف والعزة، ولو أنهم حافظوا على أوامره لأضاءت لهم المسالك، ولما اختلفوا على أنفسم حتى أصبحوا هالكا إثر هالك يستعبدهم مالك بعد مالك، ويذيقهم العذاب فاتك بعد فاتك.

يا معجبين بالمدنية الغربية والتقاليد البشرية فكروا قليلا فإن هذه المدنية التي اعتنقتموها لم تقدر على سعادتكم وإنما يسعدكم اللجوء إلى الدين الحنيف المنزل من السماء، سار المسلمون - في العصر الحاضر- في ركاب المدنية الغربية، ونبذوا أوامر قرآنهم وراء ظهورهم. وأطلع الله رسوله على حالة المؤمنين من بعده من خلال الغيب فشكى إلى ربه بقوله عز وجل: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (سورة الفرقان) شكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ربه من أن قومه الذين أرسل إليهم بالقرآن ليتلوه عليهم قد صدوا عنه وتركوه وثبتوا على تركه وهجره، وفي شكوى النبي - صلى الله عليه وسلم - لربه من هجر أمته للقرآن دليل على أن ذلك من أصعب الأمور عند الله وأبغضها إليه، وفيه تهديد ووعيد شديدين لمهاجري القرآن بإنزال العقاب بهم.

نحن المسلمين قد كان منا هجر كبير للقرآن الكريم منذ زمن طويل- وإن كنا به مؤمنين. بسط القرآن عقائد الإيمان كلها بأدلتها العقلية القاطعة فهجرناها، وبين القرآن لنا أصول الأحكام، وأمهات مسائل الحلال والحرام، ووجوه النظر والإعتبار مع بيان حكم الأحكام وفوائدها في الصالح العام والخاص فهجرناها، وبين القرآن مكارم الأخلاق ومضارها، وبين السبيل للتخلي عن هذه والتحلي بتلك مما يحصل به الفلاح بتزكية النفس، والسلامة من الخيبة بتدسيتها فهجرنا ذلك كله، وعرض القرآن علينا هذا الكون وعجائبه، ونبهنا على ما فيه من أسرار الحكمة ومصادر النعمة لننظر كي نستفيد ونعمل فهجرنا ذلك كله، ودعانا القرآن لتدبره وتفهمه والتفكر في آياته، ولا يتم ذلك إلا بتفسيره وتبيينه فأعرضنا عن ذلك مع أن المسلمين يحسبون أنفسهم أنهم في خدمة القرآن قال تعالى:

<<  <   >  >>