للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يفعل، ويدع منها ما يشاء، وهو إذا فعل منها ما هو نافع استحق المدح، وإذا فعل منها ما هو ضار استوجب الذم فلو لم يكن مختار لما توجه إليه المدح على فعل ما هو نافع، ولا توجه إليه الذم على فعل ما هو ضار بل لو لم يكن الإنسان مختارا لما كان ثمة فرق بين المحسن والمسيء: اذ أن كلا منهما مجبر على ما يفعله، ولبطل الأمر بالمعروف والنهي على المنكر، إذ لا فائدة لهما حيث أن الإنسان مسلوب الإرادة، ولا كان ثمة معنى لتكليف الله العباد، لأن تكليفه إياهم مع سلب اختيارهم هو منتهى الظم الذي يتنزه الله عنه، ويكون الأمر كما قال القائل:

ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء، بل لو كان الإنسان مسيرا لضاعت فائدة القوانين ولبطل الجزاء من الثواب والعقاب.

وقد أراد المشركون أن يحتجوا بمشيئة الله على شركهم وأنه لو لم يشأ أن يكونوا مشركين لما كانوا كذلك، فأبطل الله حجتهم ودحضها بقوله: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ * قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} (سورة الأنعام). فالقرآن يرد على المشركين من وجهين: الأول: أن الله أذاق الكافرين بأسه، وأنزل بهم عقابه فلو لم يكونوا مختارين للجرائم والمآثم، والكفر والشرك لما عذبهم الله لأن الله عادل لا يظلم مثقال ذرة.

والوجه الثاني: أنهم زعموا ذلك عن جهل بالله، وجهل بدينه، وأنه ليس عندهم من علم يمكن أن يستند إليه، ويرجع إليه، وإنما كفرهم هذا تمرد على دينه، وافتيات على الحق الذي أنزله على ألسنة الرسل ..

وإذا كان الله قد عذب الأمم السابقة على كفرها وإذا كان المشركون ليس لهم من حجة يحتجون بها فقد تقرر أن دعوى المشركين دعوى ظنية لا تقوم عليها حجة ولا ينهض بها دليل، وبذلك قامت حجة الله البالغة على هؤلاء، ولو شاء الله لأجبرهم على الهداية، وحينئد لم يكونوا من البشر لأن البشر فطروا على الحرية والإختيار ..

<<  <   >  >>