للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقدر عليه سبحانه غريزة حفظ النوع، وهي كذلك جامحة شرود طاغية، فلو أرخى لها العنان لأصاب الرجل كل امرأة تروقه، واستسلمت المرأة لكل رجل يحظى بإعجابها ...

وكذلك لم يكلف الله الإنسان أن يجتث هذه الغريزة من عروقها، لأن ذلك قدر غالب لا قبل للإنسان بمقاومته والخروج على أحكامه، ولكنه تعالى كلفه المستطاع وهو الحد من طغيان هذه الغريزة، وكبح جماحها، وتدبير أمرها، فحرم الزنا، وحرم أنواعا من النساء تحريما مؤبدا وحرم أنواعا منهن تحريما مؤقتا وأباح سائرهن بشرط الإيجاب والقبول، والمهر والشهود، وإذن الولي وقد نصح الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بما يكسر من حدة هذه الغريزة إذا طغت فقال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" ونهى سبحانه وتعالى عن مخالطة الأشرار للتخلص من شرور البيئة فقال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} (سورة النساء)، وقال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (سورة الانعام)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "مثل الجليس الصالح، وجليس السوء: كبائع المسك، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا زكية" (١)، فنشأة الإنسان في بيئة خبيثة من القدر الغالب الذي لا سلطان له عليه، وأما محاولة التخلص من شرها ففي وسعه، ومن أجل ذلك كلفه الله تعالى إياها.


(١) رواه البخاري- عن ابي موسى- صحيح.

<<  <   >  >>