للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأشياء في مواضعها، ولا يشاء إلا ما تقتضيه الحكمة قال تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (سورة الليل). فدل سبحانه بهذا القول الحكيم على أن أعمال العباد مختلفة وعلى أنها مقدمات تفضي الى نتائجها، وأسباب تؤدي الى مسبباتها فمن أعطى واتقى وصدق بالحسنى سييسره الله الحسنى: وذلك هو الذي يشاء الله أن يهديه، ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسييسره الله للعسرى، وذلك هو الله الذي يشاء أن يضله وهذا اختيار من جانب العبد، واتجاه وعمل، ومن فضل الله ورحمته أن الذي يختار الخير ويتجه إليه يعينه الله عليه، وييسره له كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} (سورة محمد)، وكما قال أيضا: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا} (سورة مريم) ..

وأما الذين يختارون الشر، ويتجهون إليه، فإن الله تعالى يوليهم ما تولوا، ويتركهم وما اختاروا لأنفسهم كما قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (سورة النساء)، وهذا معنى إضلالهم فمن حيث أن الله سبحانه دعاهم الى الطريق الخير وسبيل الهداية على لسان رسله، وفي كتبه المنزلة بعد أن منحهم من أنواع الهدايات ما فيه بلاغ فأبوا أن يستجيبوا لداعي الحق، واستكبروا أن يسلكوا سبل الرشد، فلا جرم أن الله يتركهم وما اختاروا لأنفسهم فلا يأتي إضلالهم إلا من بعد أن اتجهوا الى الشر وإعراضهم عن الخير قال تعالى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (سورة البقرة)، إن الذين وقع عليهم الإضلال هم الموصوفون بما ذكر، فالإضلال قد وقع على الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل،

<<  <   >  >>