للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكلما أمعنوا النظر والتفكر في الكون والمخلوقات المشاهدة إلا وازدادوا إيمانا بالله عز وجل، وعلما به، وخشية منه، ولكن لا يبحثون عنها بدعوى أنها مقدسية لا تمس، أو بدعوى أنها تتعطالى عن العقول، ولو قدر الناس حرية العقيدة الدينية لما تململوا من البحث والنقاش فيها، وهذا النقاش ليس من الجدل المحظور التي وردت فيه الأحاديث الشريفة بالنهي عنه.

قضية العقيدة خطيرة جدا لأن خطأها يطبق على الإنسان طول العمر، وفي ظلمات القبر، ومن بعد ذلك يأتي البعث والحساب في عالم الخلود.

كيف لا يفكر الإنسان في قضية المعاد؟ وإننا نرى الموت تقصم رقاب الجبابرة والطغاة والظلمة الذين لم تزل قلوبهم عن الموت نافرة حتى جاءهم الوعد الحق فأرداهم فنقلوا من القصور إلى القبور، ومن الضياء إلى ظلمة اللحد، ومن ملاعبة النساء إلى مقاساة الهوام والديدان، ومن الأنس إلى وحشة القبر، ومن صحة الذات وتنعمها إلى تشويهها وتمزقها ...

فسبحان من انفرد بالقهر والاستيلاء، واستأثر بالبقاء، وسبحان من جعل الموت مخلصا للأتقياء، والقبر سجنا للأشقياء ..

من كان الموت مصرعه، والتراب مضجعه، والدود أنيسه ومنكر ونكير جليسه، والقبر مقره، وبطن الأرض مستقره، والقيامة موعده، والجنة أو النار مورده، كيف لا يفكر في قضية البعث والحساب؟ كيف لا يذكره ولا يستعد له، ولا يتدبر في مصيره ولا يهتم به؟ كيف لا يعد نفسه من الموتى، وهو يرى كل يوم يحمل إلى القبور من أهله وذويه وأقربائه وأصدقائه. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت" (١) وقساة القلوب يغفلون عن الموت حتى يهجم عليهم فجأة، وإذا ذكروهم به نفروا منه، هؤلاء هم الذين قصدهم القرآن بقوله: {إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} ما دام هناك إيمان


(١) رواه أحمد وابن ماجه والحاكم والترمذي قال: حديث حسن. عن شداد بن أوس.

<<  <   >  >>