للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ ويقول: "أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك" (١) فدل على أن رضاه وعفوه من صفاته، وكان يستعيذ بعزة الله فيقول: "أعوذ بعزة الله وقدرته" (٢) وقوله: "أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات" (٣) ولا يستعيذ النبي بمخلوق أبدا، ولا يستعيذ إلا بالله، أو بصفة من صفاته، وجاءت الاستعاذة باسم الرب تارة وباسم الملك وباسم الإله في سورتي المعوذتين، وقد جاء في الأثر أن الله سبحانه وتعالى يدعى بأسمائه الحسنى. كل طالب يسأل باسم يناسبه ويقتضيه، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حق سورتي المعوذتين: "إنه ما تعوذ المتعوذون بمثليهما" فلا بد أن يكون المستعاذ به مقتضيا للمطلوب، وهو دفع الشر المستعاذ منه أو رفعه.

فيستعاذ من الشرور وأسبابها كالمعاصي، والشرك والكفر وأنواع الظلم، وهل زالت نعمة عن أحد قط إلا بشؤم معصية؟

إذا أنعم على عبد نعمة حفظها عليه، ولا يغيرها عنه حتى يكون هو الساعي في تغييرها عن نفسه {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.

ومن تأمل ما قص الله في كتابه الكريم من أحوال الأمم الذين أزال نعمه عنهم وجد سبب ذلك جميعه، إنما هي مخالفة أمره، وعصيان رسله، وكذلك من نظر في أحوال عصره، وما أزال الله عنهم من نعمة، وجد ذلك كله من سوء عواقب الذنوب، كما قيل: إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم. فما حفظت نعصة الله بشيء قط مثل طاعته، ولا حصلت فيها الزيادة بمثل شكره، ولا زالت عن العبد نعمة بمثل معصيته لربه، فإنها نار النعم التي تعمل فيها كما تعمل النار في الحطب اليابس.


(١) رواه مالك في موطئه - باب الدعاء-
(٢) أخرجه مسلم. ورواه مالك في الموطأ عن عثمان بن أبي العاص- صحيح-
(٣) أخرج القصة ابن هشام بطولها، عن ابن اسحاق عن زياد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي مرسلا. ورجاله ثقات.

<<  <   >  >>