للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن كانَ عبدًا حَبَشيًّا؛ فإنَّهُ مَن يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي؛ فسَيرَى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكمْ بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشدينَ المَهْديِّين؛ فتمسَّكوا بها، وعضّوا عليها بالنَّواجِذِ، وإيَّاكُمْ ومُحْدَثاتِ الأمورِ؛ فإنَّ كلَّ مُحْدَثةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلةٌ" (٧).

فأنبأ أنَّ أمَّتَهُ ستختلفُ من بعدهِ اختلافًا عَظيمًا، وما ذلك الاختلافُ إلاَّ بسَبَبِ ما يَدْخل علَيْها من البِدَع والأهواءِ.

وأنْبأ أنَّ المَخْرَجَ من ذلكَ الاعتصامُ بِسُنَّتهِ وسُنَّةِ الخلفاءِ الرَّاشدينَ من بعدِه، ذلك لأنَّهم على الهُدى المُستقيم.

وحذَّرَ من سَبيلِ المُتفرِّقين المختلِفين أهْلِ الأهواءِ والبِدَع.

ولو كان هناكَ سبيلُ سَلامةٍ يُصارُ إليه غيرُ هذا الذي ذكَرَ؛ لدَلَّ عليه أمَّته، ولأرشَدَهم إليه؛ لِما وصفه الله تعالى به حيث قال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨]، فكان في هذا حُجَّةٌ على أنَّ السَّلامةَ لا تكونُ إلاَّ باتِّباعِ السُّنَّة وسَبيلِ السَّلَف، وتَرْكِ البدَع وسُبُلِ الخَلَف.

وَلَقَدْ أنْبأنَا عن تَفَرُّق هذه الأمَّةِ من بعْدهِ، ودلَّ على طائفةِ أهْلِ الحَقِّ ليُحْتذى مِثالُها، فقالَ: "ألاَ إنَّ مَنْ قبلَكُمْ من أهْلِ الكتابِ افْتَرقوا على ثنتين وسَبعين مِلَّة، وإنَّ هذهِ المِلَّةَ ستفترقُ على ثَلاثٍ وسَبعين، ثنتانِ وسبعونَ في النَّارِ، وواحدةٌ في الجَنًةِ، وهي الجَماعةُ، وإنّه سَيخرجُ مِنْ


(٧) حديث صحيح جليل، أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلاَّ النسائي، ولتفصيل تحقيقه موضع آخر.

<<  <   >  >>