للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد أدركَ ذلك أئمَّتنا الأوائلُ، فجَعَلوا من شعار الجَهْمية والزَّنادقة وصفَهم أهلَ السُّنَّة بهذه الأوصاف.

قَال الإِمام أبو حاتِمٍ الرازيُّ: "وعلامَةُ أهل البدع: الوقيعةُ في أهلِ الأثَرِ، وعلامةُ الزَّنادقةِ: تسميتهُم أهلَ السُّنَّةِ حَشْويةً، يُريدون إبطالَ الآثار، وعلامةُ الجَهْمية: تسميتُهم أهلَ السُّنَّة مُشبّهةً، وعلامةُ القَدَرِيَّة: تسميتُهم أهلَ الأثَر مُجْبِرةً، وعلامةُ المُرْجئَةِ: تسميتهُم أهلَ السُّنَّةِ مُخالِفةً ونُقصانيَّةً، وعلامةُ الرَّافضةِ: تسميتهُم أهلَ السُّنَّةِ ناصبةً، ولا يلحَقُ أهلَ السُّنَّةِ إلاَّ اسمٌ واحدٌ، ويَستحيلُ أنْ تَجْمَعَهم هذه الأسماءُ" (٢٤).

قلتُ: أرادَ يلحَقُهم اسمُ أهلِ السُّنَّة دونَ هذه الأسماء.

وقال الإِمامُ الحافظُ أحمدُ بن سِنانٍ الواسطيُّ: "المشبّهةُ الذين غَلَوا فجاوزوا الحديثَ، فأمَّا الذين قالوا بالحديثِ؛ فلم يزيدوا على ما سَمِعوا؛ فهؤلاء أهل السُّنَّةِ، والمتمسِّكونَ بالصَّوابِ والحقِّ، وليس هم بالمشبهةِ، ما شبّهوا هؤلاء، إنَّما آمَنوا بما جاء به الحديثُ، هؤلاء مؤمنونَ مصدِّقون بما جاء به النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- والكتابُ والسُّنَّةُ" (٢٥).

فالسَّلَف والأئمة لم يكونوا كما يصفهُم هؤلاء المبتدعةُ، وكيفَ يُظَنُّ ذلك بحَمَلَةِ القرآن والسُّنَن والآثار؟!

ولكنَّ أهل البدعِ أعداءُ السُّننِ أرادوا أن يُعْرِض الناس عن السنن،


(٢٤) رواه ابن الطبري في "السنة" ١/ ١٧٩ بسند صحيح، وانظر: ص ١٨٢.
(٢٥) رواه إسماعيل بن الفضل في "الحجة" ق ٣٢/أبسند صحيح.

<<  <   >  >>