للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غيرك، وِلا تشكر إلا مَن أنعم عليك. والألف والسلام للجنس (١).

{رَبِّ الْعَالَمِينَ}: الربُّ: السيِّدُ (٢) والمولى، قال يوسف - عليه السلام -:


= تقول: حمدته لفروسيته وحمدته لكرمه، وهو أخص لأنه لا يكون إلا بالقول. والشكر أعم من حيث ما يقعان عليه؛ لأنه يكون بالقول والعمل والنيَّة، ومنه قول الشاعر:
أفادتكُمُ النَّعْمَاءُ مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المُحَجَّبَا
وهو - أي الشكر- أخص لأنه لا يكون إلا على الصفات المتعدية، فلا يقال: شكرتُه لفروسيته، وتقول: شكرتُه على كرمه وإحسانه إليَّ. هذا ما حقَّقه الحافظ ابن كثير في تفسيره (١/ ٣٥). وقال أبو جعفر بن جرير في تفسيره: إن الحمد قد ينطق به في موضع الشكر، وإن الشكر قد يوضع موضع الحمد، وهو معروف بين أهل المعرفة بلغات العرب [تفسير الطبري (١/ ١٣٧)].
وقد عرَّف شيخنا محمد بن صالح العثيميُن - رحمه الله - "الحمد" بأنه: وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم أتفسير الفاتحة (١/ ٩)].
وهناك نكتة بلاغية في "الحمد لله" على أنها جملة اسمية تفيد ديمومة الحمد واستمراره وثباته أُلْحِقَتْ بالجار والمجرور "لله" الدالة على فن الاختصاص على أن جميع المحامد مختصة به سبحانه وتعالى.
(١) الألف والسلام لتعريف الجنس لأن المصدر هنا في الأصل عوض عن الفعل، فلا جرم أن يكون الدال على الفعل والسادّ مسدَّه دالاًّ على الجنس، ومعنى تعريف الجنس أن هذا الجنس هو معروف عند السامع، وهذا مأخوذ من كلام سيبويه كما قاله العلامة محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره [تفسير التحرير والتنوير (١/ ١٥٩)] وممن أشار إلى أن "أل" في "الحمد" لاستغراق الجنس ابن عطية [المحرر الوجيز (١/ ٦٣)] والثعالبي [الجواهر الحسان (١/ ٤٠)] والشنقيطي [أضواء البيان (١/ ١٠١)، وشيخنا محمَّد بن صالح العثيمين - رحمه الله -[تفسير الفاتحة (١/ ٩)].
(٢) ومن إطلاق الرب على السيد قول لبيد بن ربيعة:
وَأَهْلَكْنَ يومًا ربَّ كِنْدَةَ وَابْنَهُ ... وربَّ مَعَدًّ بَيْنَ خَبتٍ وَعَرْعَرِ
كما يطلق الرب على المُصْلِح، ومنه قول الفرزدق:
كانوا كَسَالِئَةٍ حمقاءَ إذ حَقنتْ ... سِلاءها في أديمٍ غيرِ مربوبِ
والمعنى الثالث الذي ذكره المؤلف - الرب بمعنى المالك - واستشهد له بالحديث النبوي الشريف. وكل هذه المعاني الثلاثة تصدق في حق الله - عَزَ وَجَلَّ -، فهو سبحانه وتعالى السيد المطاع والمصلح أمر خلقه والمالك الذي له الخلق والأمر. وهناك معنى رابع وهو: المعبود، ومنه قول الشاعر، وينسب إلى غاوي بن ظالم، وقيل: عباس بن مرداس:
أَرَبٌّ يَبولُ الثعلبانُ بِرَأْسِهِ ... لقد هانَ مَنْ بالتْ عَليه الثعالبُ
[الجامع لأحكام القرآن - القرطبي (١/ ١٣٧)؛ التحرير والتنوير - ابن عاشور (١/ ٦٧)].

<<  <  ج: ص:  >  >>