للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تمهيد]

لقد أحاط العلامة رحمة الله الهندي الأناجيل الأربعة بالدراسة النقدية الفاحصة التي أثبتت بالأدلة العقلية والنقلية وأقوال كتابهم أن هذه الأناجيل ليس لها سند متصل، وأنها قد ألفت بعد رفع المسيح -عليه السلام- بمدة طويلة.

وأثبت أيضًا من خلال جولاته النقدية بين النصوص والشروح المختلفة للكتاب المقدس أن الإنجيل الأصلى قد فُقد، وأن الأسباب التي اعتذروا بها لفقدان سندهم أسباب واهية (١).

وعلى الفرض لو كانت هذه الأناجيل تصح نسبتها إلى مؤلفيها- متى- مرقس- لوقا- يوحنا- إلا أن النصارى أنفسهم وطوائفهم المختلفة قد اختلفوا في تحديد تواريخ كتاباتها واضطربوا في ذلك اضطرابًا شديدًا، فإسنادهم هذه الأناجيل إلى أصحابها بلا حُجة ولا برهان كما سبق بيانه في المبحثين السابقين.

ولقد اعتمد عُلماؤنا الأجلاء في نقد الجانب التاريخي للعهد الجديد على تلك التواريخ إلى ذكرها مفسرو العهد الجديد على اختلاف طوائفهم مما دفعهم لمناقشة الأدوار التاريخية التى مرت بها الأناجيل، الأمر الذي أدى إلى فقدان الثقة في قانونية هذه الأناجيل.

[موثوقية الأناجيل الأربعة]

(وحول موثوقية الأناجيل الأربعة يقول أ / محمَّد السعدي في كتابه "دراسة في الأناجيل" إن فناء النسخ الأصلية للأناجيل يعني ببساطة أننا لا نستطيع التأكد من موثُوقية المخطوطات والنسخ التي بين أيدينا اليوم، وإذا علمنا أن أقدم مخطوطات العهد الجديد الموجودة حاليًا ترجع إلى القرن الرابع الميلادي، وأن آخر الأناجيل كُتب سنة ١٠٠ م فإننا نخلص إلى أن هناك فاصلًا زمنيًا بين تاريخ كتابة الأناجيل وتاريخ مخطوطاتها يزيد على مائتي سنة) (٢).

وهذا الفاصل الكبير نسبيًا يجعل الأناجيل معلقة في الهواء بلا سند متصل بين كتبتها ومخطوطاتها، وفناء نسخ الأناجيل التي يرجع تاريخها إلى ما قبل مجمع نيقية عام ٣٢٥ م يرجع لسببين:

١ - قرار الكنيسة بإلغاء الأناجيل المخالفة لأناجيلها والأمر بإعدامها.

٢ - جو الخوف والاضطهاد والمطاردة والمذابح التي تعرض لها النصارى لمدة ثلاثمائة سنة متواصلة على يد اليهود والرومان الوثنيين ... وفي تلك الفترة العصيبة لم تكن هناك قوة تحمى النصارى أو تحافظ على كتبهم، وفي مثل هذا الجو تتهيأ الفرصة لضياع الحقائق وتعديل النصوص، ونسبة الكتب إلى غير مؤلفيها، ويصبح التحقق من موثوقية الأقوال والأفعال والنصوص أمرًا غير ميسور (٣).


(١) انظر: إظهار الحق ١/ ١٠٠.
(٢) دراسة في الأناجيل الأربعة والتوراة أ/ محمَّد السعدي ص ٣٥ ط دار الثقافة بقطر طـ ٥١ - ١٤٠٠ هـ - ١٩٨٥م.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ١٦ بتصرف بالحذف.

<<  <   >  >>