للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويري شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: أن التبديل والتحريف إنما وقع في باب الأخبار إذ لا مانع من وقوع ذلك إنما الممتنع في رأيه أن يكون التحريف في باب الأمر والنهي (١).

وكذلك الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى، رفض القول بتبديل التوراة كلها والاستهانة بها كما رفض القول بامتناع ذلك فيها بقوله: والحق أحق ما اتبع، فلا تغلو غلو المستهينين بها المتمسخرين فيها بل معاذ الله من ذلك ولا نقوك إنها باقية كما أنزلت من كل وجه كالقرآن (٢)، ضم بعد أن ذكر الأحداث التي مرت بها التوراة المنزلة على سيدنا موسى - عليه السلام - من عند الله تعالى يوضح نقطة في غاية الأهمية وهي أن:

(علماء اليهود وأحبارهم يعتقدون أن هذه التوراة إلى بأيديهم ليست هى إلى أنزلها الله تعالى على سيدنا موسى - عليه السلام - بعينها لأن موسى - عليه السلام - صان التوراة عن بني إسرائيل خوفًا من اختلافهم من بعده في تأويلها المؤدي إلى تفرقهم أحزابًا وإنما سلمها لعشيرته أولاد لآوى قال: ودليل ذلك قول التوراة ما هذه ترجمته:

"وكتب موسى هذه التوراة ودفعها إلى أئمة بني لآوي" (٣).

ويذكر الإمام ابن القيم: أن اليهود هم الذين حرفوا التوراة وبدلوا فيها حروفًا كثيرة فقال: واليهود تقر أن السبعين كاهنا اجتمعوا على اتفاق من جميعهم على تبديل ثلاثة عشر حرفًا من التوراة وذلك بعد المسيح في عهد القياصرة الذين كانوا تحت قهرهم حيث زال الملك عنهم ولم يبق لهم ملك يخافونه ويأخذ على أيديهم" (٤).

ثم أقام الحجة عليهم بقوله:

(ومن رضي بتبديل موضع واحد من كتاب الله، فلا يؤمن منه تحريف غيره؛ واليهود تقر أيضًا أن السامرة حرفوا مواضع من التوراة وبدلوها تبديلاً ظاهرًا وزادوا ونقصوا والسامرة تدعي ذلك عليهم) (٥).

ثم ذكر الإِمام ابن القيم في كتابه هداية الحيارى ما يدل على أن التوراة التي بأيديهم - أي اليهود - فيها من التحريف والتبديل وما لا يجوز نسبته إلى الأنبياء ما لا يشك فيه ذوو بصيرة، والتوراة إلى أنزلها الله على موسى - عليه السلام - بريئة (٦) من ذلك وسوف يتضح ذلك في مبحث عقيدة اليهود في النبوة والأنبياء.

ثم انتهي من سرد بعض التحريفات في التوراة إلى حقيقة هامة وهي: أن التوراة إلى بأيديهم ليست هى التوراة المترلة من عند الله -عَزَّ وَجَلَّ-.


(١) انظر: الجواب الصحيح (١/ ٤٢٧).
(٢) إغاثة اللهفان: لابن قيم الجوزية (٣/ ٣٥٨) ط / مكتبة عاطف القاهرة. بدون.
(٣) المرجع السابق: (٢/ ٣٥٨)، تثنية (٣١/ ٩) قراءة التوراة.
(٤) هداية الحيارى: ص ٢٠١.
(٥) المؤجر السابق ص ٢٠١.
(٦) المرجع السابق ص ٢٠٢.

<<  <   >  >>