للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيًا: عرض أدلة القائلين بتأليه الروح القدس وجهود العلماء في نقدها:

ذكر شيخ الإِسلام الأدلة التي استدل بها النصارى على ألوهية الروح القدس وناقشها ورد عليها بطريقة علمية، وقد جاءت هذه الردود في أماكن متفرقة من كتابة .. أذكر منها على سبيل المثال ما يلي:

١ - يستدل النصارى بما ينقلونه على لسان داود النبي: "لا تطرحنى من قدام وجهك وروحك القدس لا تنزعه مني" (١).

ويُبطل شيخ الإِسلام استدلالهم بهذه الشبهة فيقول في نقده لهذا الدليل: "هذا دليل على أن روح القدس التى كانت في المسيح من هذا الجنس (الموجود في داود وغيره) فعلم أن روح القدس لا خصوصية للمسيح فيها؛ بل هى وباتفاقهم أنها حلت في داود وفي الحواريين وفي غيرهم وليس للمسيح خصوصية في ذلك وإلا فيلزم على قولهم: إن روح القدس هي حياة الله، ومن حلت فيه يكون لاهوتًا، يلزم على قولهم هذا أن يكون كل هؤلاء الذين حلت فيهم روح القدس فيهم لاهوت وناسوت كالمسيح -عندهم- وهذا خلاف إجماع المسلمين واليهود والنصارى ... ، حيث أنهم متفقون على أن داود وغيره عباد الله -عزّ وجلّ- وإن كانت روح القدس فيهم.

كذلك فالمسيح عبد الله وإن كانت روح القدس فيه فما ذكرتموه عن الأنبياء حُجة عليكم (٢).

٢ - "اذهبوا إلى جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس إله واحد وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (٣).

ويرد شيخ الإِسلام على استدلال النصارى بهذا النص مفندًا ما يشتمل عليه فيقول: (إن دليلكم هذا هو عمدتكم على ما تدعونه من الأقانيم الثلاثة، وليس فيه شىء يدلّ على ذلك لا نصًا ولا ظاهرًا. فإن لفظ روح القدس لم يستعمل قط في الكتب الإلهية في معنى صفة من صفات الله، ولم يسم أحد من الأنبياء حياة الله التى هى صفته روح القدس ولا أرادوا ذلك، وإنما أرادوا بروح القدس ما ينزله على الصديقين والأنبياء من الوحى والهدي والتأييد) (٤).

وبناء على ذلك فإن ما استدل به النصارى من نصوص توراتية أو إنجيلية لا يصلح أن يكون دليلًا على ألوهية الروح القدس؛ بل هى حجج واهية لا تعدو إلا أن تكون أدلة ظنية غير قاطعة والدليل إذا تطرق إليه الظن أو الاحتمال سقط به الاستدلال.


(١) مزامير: (٥١/ ١١).
(٢) انظر: الجواب الصحيح: ٢/ ١٤٢، بتصرف بالحذف.
(٣) متى: (٢٨/ ١٩) يسوع يظهر للتلاميذ.
(٤) الجواب الصحيح: ٢/ ١٥٠، بتصرف.

<<  <   >  >>