للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كان رائد هذه الطريقة الفريدة أيوب بك صبري، صاحب كتاب الجوهر الفريد، حيث يرد على من ادعي التثليث فقال في دعواه: إن الكلمة هي الأقنوم الثاني وهي المسيح وأن لفظ الرب هو أقنوم الأب وهو الأقنوم الأول وأن لفظ الروح أو النسمة هو الأقنوم الثالث المدعو روح القدس، فيقول أيوب بك صبري:

(ننظر هل ممكن أن نستنتج من هذه الألفاظ وجوب اعتقاد الشخصية بكل لفظ منها أو جعله أقنومًا أم لا؟ وأنى لنا ذلك وقد ثبت بمدلول نصوص جميع الكتب المنزلة من عند الله تعالى تعيين معنى لفظ الكلمة والروح في مثل هذا المقام والحق يلزمنا بالوقوف عند حدّ ما دلت عليه الكتب الإلهية كما يلي:

١ - فوصف الله للسيد المسيح بالكلمة في القرآن المجيد ظاهر إنها كلمة التكوين وصيغة الأمر كناية عن قوله جل شأنه "كن فيكون" بدلالة الالقاء كما في قوله تعالى: {أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} (١) كأنه تعالى ألقى إليها قولة "كن" التي هى أمر الإيجاد والتكوين، ثم إنه لما كان هذا القرآن منزلًا بالعربية الفصحى في اصطلاح العرب يسمون الرسول كلمة ولسانًا ويقولون هذا لسان فلان وكلمته لكونه رسوله المبلغ عنه أوامره إلى الخلق وهذا المعني المتواتر المشهور بين سائر العالم لا يختلف فيه اثنان.

٢ - وكذلك نصوص التوراة في عدة مواضع ناطقة بذلك وأن الكلمة لا معنى لها سوى النطق وهي كلمة التكوين بدليل ما جاء في سفر الخليقة (١/ ٣) "وقال الله ليكن نور فكان" وقوله هذا ليكن جلدًا فكان وقوله ليكن كذا وليكن كذا ... الخ ما ورد في صيغة التكوين ولحصر المعنى في كلمة التكوين قد سمي المتقدمون سفر الخليقة "سفر التكوين" وقد ورد في جميع أسفار الأنبياء ما يفيد تعيين هذا المعنى وهو قولهم: "كانت إلي كلمة الرب وصارت إليّ كلمة الرب وكان إليَّ كلام الرب "وهناك نصوص كثيرة تدل على أن المراد بالكلمة الأمر، ما جاء في أشعياء" هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمى لا ترجع إلى فارغة" (٥٥/ ١١)، وما جاء في حزقيال: "فاسمع الكلمة من فمى وأنذرهم من قبلى" (٣/ ١٧)، لأني أنا الرب أتكلم والكلمة إلى أتكلم بها تكون. أقول الكلمة وأجريها يقول السيد الرب ... الكلمة التي تكلمت بها تكون" (١٢/ ٢٥) وغير ذلك من النصوص الصريحة الناطقة بأن الكلمة لا معنى لها غير الأمر وهي كافية لإقناع كل معتدل ومن تأمل بالفكر الحر المنزه عن الأغراض أنها ناطقة بكل صراحة بأن صنع السموات وكل جنودها هو بأمر الله تعالى وتأثيره وأن كلمته هى أمره تعالى وليست بأقنوم ولا شخص إلهى كما يشهد بصريح ذلك قول أشعياء: "يداي أنا نشرتا السموات وكل جندها أنا أمرت" (٤٥/ ١٣) (٢).


(١) سورة النساء: جزء من الآية (١٧١).
(٢) الجوهر الفريد: ص ١١ - ١٢.

<<  <   >  >>