للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي نقده لهذا النص يقول: (ولعل هذه الموعظة قد قصدت تلطيف الحكم القاسي القائم على الانتقام عين بعين وسن بسن، إذا ما نُفذ حرفيًا كما هو في الشريعة اليهودية، ولكن هل نعمل بالموعظة التي نُسبت إلى المسيح؟، والتي فيها تخاذل وخنوع والتي تقول من ضربك على خدك الأيمن در له خدك الأيسر؟ هل نعتبر هذه الموعظة حكمًا عامًا؟ وهل يمكن أن يكون هذا الحكم شرع أو وصية معنوية تصلح لكل الأحوال ولجميع الظروف، خاصة وأن مقابلتنا للشر بسلبية مطلقة وخنوع واستسلام لا يدلّ على شيء؛ بل على جبن وخور وإذعان للمستبدين والمعربدين ولا يأتي بنتيجة طيبة؛ بل يزيد هؤلاء المتغطرسين المغرورين طغيانًا على طغيانهم وشرًا على شرهم، ومن الناحية الأخرى تزيد هذه الموعظة من نكبات الإنسانية وويلاتها) (١).

ويؤكد هذا الانحراف والميل د/عمر عبد العزيز فيقول:

(إن المسيحية في صورتها المثالية مجافية لفطرة الإنسان، والمسيحى المثالى يتجسد في الراهب المعتزل للحياة المنقطع عن الدنيا المعرض عن الطيبات حتى عن الزواج، والأخلاق المسيحية أخلاق غير واقعية؛ لأنها فوق الطاقة المعتادة للبشر كما في قول الإنجيل: "أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم، من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر ومن سرق قميصك فأعطه إزارك" (٢).

وفي نقده لهذا النص يقول: إن هذا الأمر ليس في مقدور كل إنسان فهل يليق بمن سُرق منه القميص أن يعطي الإزار ثم يصبح عُريانًا (٣).

فهل ظلت المسيحية على هذا التسامح؟ أم أنه حدث لها انحراف في السلوك وتحول في الأخلاق عبر الزمن، هذا ما رصده د/أحمد شلبي، عندما وقف وقفة نقدية مع سلطان الكنيسة المستبد وثورة الإصلاح الديني عليها وبين أنه تقرر في المجمع الذي عقد في سنة ١٢١٥م استئصال الخارجين على الكنيسة فاستعملت القتل والحرق وغير ذلك من الاضطهادات التي مارستها الكنيسة ضد المسيحيين (٤).

ومع الزعم بأن المسيحية دين التسامح والمحبة فإن المنتسبين إليها ينوء كاهلهم بتاريخ شديد الظلمة حالك السواد، ملطخ بدماء العلماء والمفكرين الأحرار ... تاريخ وقفت فيه الكنيسة مع الجمود ضد الفكر المستنير ومع الخرافة ضد العلم ومع الاستبداد ضد الحرية ومع الظلام ضد النور وصنعت من المجازر البشرية مالا ينساه التاريخ، فأين هذا من التسامح المزعوم؟! وإن كان هذا من التسامح فما التعصب إذن؟! ... والدليل على ذلك ما حدث في أوروبا في العصور الوسطى من ثورة عارمة شعارها "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس" (٤).


(١) متي: (٥/ ٣٣ - ٤٨) بالتصرف بالحذف.
(٢) التعصب الصليبي: د/عمر عبد العزيز ص١٦ وانظر متى: (٥/ ٣٩ - ٤١).
(٣) انظر المسيحية: د/ أحمد شلبي ص ٢٥٧.
(٤) يُراجع: التعصب الصليبي، ص ١٧ بتصرف بالحذف، ولمزيد من التفصيل انظر: المسيحية: د/ أحمد شلبى، ص ٢٥٨ - ٢٥٩.

<<  <   >  >>