للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذهب إسحاق (١) في هذه الآية، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه


= مولود على الفطرة السليمة، وعلى أنه بعد ذلك يتغير فيكفر، كما طُبع كتابه يوم طُبع. ومن ظن أن المراد به الطبع على قلبه، وهو الطبع المذكور على قلوب الكفار، فهو غالط؛ فإن ذلك لا يُقال فحِه: طُبع يوم طُبع إذ كان الطبع على قلبه إنما يوجد بعد كفره. وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره عن عياض بن حمار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يروي عن ربه تعالى أنه قال: "خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا". وهذا صريح في أنه خلقهم على الحنيفية وأن الشياطين اجتالتهم بعد ذلك. وكذلك في حديث الأسود بن سَرِيع الذي رواه أحمد وغيره قال بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- سرية، فأفضى بهم القتل إلى الذرية، فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما حملكم على قتل الذرية؟ " قالوا: يا رسول الله أليسوا أولاد المشركين؟ قال: "أو ليس خياركم أولاد المشركين"، ثم قام النبي -صلى الله عليه وسلم-، خطيبًا فقال: "ألا إن كل مولود يولد على الفطرة حتى يُعرب عنه لسانه". فخطبته لهم بهذا الحديث عقب نهيه لهم عن قتل أولاد المشركين، وقوله لهم: أو ليس خياركم أولاد المشركين، يبين أنه أراد أنهم ولدوا غير كفار ثم الكفر طرأ بعد ذلك، ولو كان أراد أن المولود حين يولد يكون إما كافرًا وإما مسلمًا على ما سبق له القدر لم يكن فيما ذكره حجة على ما قصده -صلى الله عليه وسلم- من نهيه لهم عن قتل أولاد المشركين. "درء تعارض العقل والنقل" ٨/ ٣٦٢.
وحديث الأسود بن سَرِيع أخرجه الإمام أحمد ٢٤/ ٣٥٤، رقم (١٥٥٨٨)، ط/ الرسالة، وقال محققو المسند: رجاله ثقات رجال الشيخين، إلا أن الحسن البصري لم يسمع من الأسود بن سَرِيع. وأخرج الحديث الحاكم ٢/ ١٣٣، رقم (٢٥٦٦)، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، قال الذهبي: تابعه يونس عن الحسن حدثنا الأسود بن سريع بهذا على شرط البخاري ومسلم. وأخرجه البيهقي، السنن الكبرى ٩/ ١٣٠، قال البيهقي: قال الشافعي في رواية أبي عبد الرحمن عنه: "هي الفطرة التي فطر الله عليها الخلق فجعلهم ما لم يفصحوا بالقول لا حكم لهم في أنفسهم إنما الحكم لهم بآبائهم".
(١) هو إسحاق بن إبراهيم الحنظلي؛ صرح بذلك الأزهري، "تهذيب اللغة" ١٣/ ٣٢٨ (فطر).

<<  <  ج: ص:  >  >>