للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسر كاتم، وماء دافق، فيجعلونه فاعلًا، وهو في الأصل مفعول، وذلك أنهم يقولون ذلك لا علي بناء الفعل، ولو كان فعلًا مصرحًا لم يُقل ذلك؛ لأنه لا يجوز أن يقال للمضروب (١): ضارب (٢).

وقد أحكمنا هذه المسألة عند قوله: {قَالَ لَا عَاصِمَ} (٣) [هود: ٤٣].

قوله تعالى: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (٢٣)} قال المفسرون: ثمارها قريبة ممن


(١) غير مقروء في (ع).
(٢) انظر: "معاني القرآن للفراء" ٣/ ١٨٢ بتصرف يسير.
(٣) والآية بتمامها: قال تعالى: {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣)}. وقد جاء فى تفسيرها: "يعصمني من الماء، يريد يمنعني من الماء، فلا أغرق. قال نوح: لا عاصم اليوم من أمر الله: لا مانع اليوم من عذاب الله، إلا من رحم، استثناء منقطع، المعنى: لكن من رحم الله فإنه معصوم. ولا يجوز هاهنا أن يكون المعصوم عاصمًا، هذا وجه في الاستثناء.
قال أبو إسحاق: ويجوز أن يكون (عاصم) بمعنى معصوم، ويكون معنى: لا عاصم، لا ذا عصمة، كما قالوا: "عيشة راضية" على جهة النسب، أي: ذات رضا، ويكون (من) على هذا التفسير في موضع رفع، ويكون المعنى: لا معصوم إلا المرحوم. ونحو هذا قال الفراء: وقال: لا تنكثون أن يخرج المفعول على فاعل، ألا ترى قوله: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} معناه مدفوق، وقوله: {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} معناها مرضية؟. فعلى قول الفراء: يجوز أن يكون الفاعل بمعنى المفعول على ما ذكر. وقال علماء البصرة: ماء دافق بمعنى مدفوق باطل في الكلام؛ لأن الفرق بين بناء الفاعل وبناء المفعول واجب، وهذا عند سيبويه وأصحابه يكون على طريق النسب من غير أن يعتبر فيه فعل، فهو فاعل نحو: رامح، ولابن، وتامر، وتارس، ومعناه: ذو رمح، وذو لبن، كذلك هاهنا: عاصم بمعنى ذي عصمة من قبل الله تعالى، ليس أنه عُصِمَ فهو عاصم بمعنى معموم على الإطلاق الذى ذكره الفراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>