للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَعَلَّمْ أنّ خيرَ الناس حيًّا ... على جَفْر الهَباءةِ لا يَريم (١)

أي: اعلم.

قال ابن الأعرابي: ومن هذا قول الله: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ} قال معناه: إن السّاحر يأتي الملكين فيقول: أخبرني عمّا نهى الله عنه حتى أنتهي، فيقولان: نهى عن الزنى، فيستوصفُهما الزِنى، فيصفانه، فيقول: وعن ماذا؟ فيقولان: عن اللواط، ثم يقول: وعن ماذا؟ فيقولان عن السحر، فيقول: وما السحر؟ فيقولان: هو كذا، فحفظه، وينصرف فيخالف، فيكفر، فهذا معنى {يُعَلِّمَانِ} (٢) ولا يكون تَعليم السحْر إذا كان إعلامًا كفرًا، ولا تعلّمه إذا كان على معنى الوقوف عليه ليجتنبه كفرًا، كما أن من عرَّف الزنى لم يأثم بأنه عرَّفه، إنما يأثم بالعمل (٣).

الوجه الثاني: أن الله عز وجل امتحن الناسَ بالملكين في ذلك الوقت، وجعل المحنةَ في الكفر والإيمان أن يقبل القائل تعلُّم السحر، فيكفر بتعلّمه، ويؤمن بترك التعلّم، ولله تعالى أن يمتحن عباده بما شاء، كما امتحن الله (٤) بنهر طالُوت في قوله: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ} [البقرة:


(١) البيت لقيس بن زهير في "مقاييس اللغة" ٤/ ١١٠، و"لسان العرب" ٥/ ٣٠٨٣ مادة (علم).
(٢) هذا فيه زيادة في (ش) إنما هو يعلمان ولا يكون.
(٣) نقل هذا بطوله الأزهري في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٥٥٥ مادة (علم)، ومنه أخذ الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠٨٥، ونصر هذا القول الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٥٣ - ٤٥٥، وقواه الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ١٨٣ - ١٨٤، قال ابن كثير في "تفسيره" ١/ ١٥٢ - ١٥٣: وهذا الذي سلكه [يعني: ابن جرير] غريب جدًّا، وأغرب منه قول من زعم أن هاروت وماروت قبيلان من الجن كما زعمه ابن حزم.
(٤) في (ش): (كما أنه امتحن بنهر طالوت).

<<  <  ج: ص:  >  >>