للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغباء من القدرية أن في وصف الله جل ثناؤه النصارى بالضلال بقوله {وَلَا الضَّالِّينَ} وإضافة الضلال إليهم دون إضافة إضلالهم إلى نفسه، وتركه وصفهم بأنهم المضللون كالذي وصف به اليهود أنهم مغضوب عليهم، دلالة على صحة ما قاله إخوانه من جهلة القدرية، جهلاً منه بسعة كلام العرب وتصاريف وجوهه. ولو كان الأمر على ما ظنه الغبي الذي وصفنا شأنه، لوجب أن يكون كل موصوف بصفة أو مضاف إليه فعل لا يجوز أن يكون فيه سبب لغيره، وأن يكون كل ما كان فيه من ذلك لغيره سبب فالحق فيه أن يكون مضافًا إلى مسبّبه. ولو وجب ذلك بإضافة الجري إلى الفلك، ولوجب أن يكون خطأ قول القائل: تحركت الشجرة إذا حركتها الرياح، واضطربت الأرض إذا حركتها الزلزلة، وما أشبه ذلك من الكلام الذي يطول بإحصائه الكتاب. وفي قوله جل ثناؤه: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} {يونس: ٢٢} ان كان جريها بإجراء غيرِها إياها، ما يدل على خطأ التأويل الذي تأوله من وصفنا قوله في قوله: {وَلَا الضَّالِّينَ}، وادعائه أن في نسبة الله جل ثناؤه الضلالة إلى من نسبها إليه من النصارى تصحيحًا لما ادعى المنكرون أن يكون لله جل ثناؤه في أفعال خلقه سبب من أجلها وجدت أفعالهم، مع إبانة الله عز ذكره نصًّا في آي كثيرة من تنزيله: أنه المضل الهادي، فمن ذلك قوله جل ثناؤه {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: ٢٣] فأنبأ جل ذكره أنه المضل الهادي دون غيره، ولكن القرآن نزل بلسان العرب على ما قدمنا البيان عنه في أول الكتاب، ومن شأن العرب إضافة الفعل إلى من وجد منه وإن كان مسبّبه غير الذي وجد منه أحيانًا وأحيانًا إلى مسببه، وإن كان الذي وجد منه الفعل غيره، فكيف بالفعل الذي يكتسبه العبد كسبًا، ويوجده الله جل ثناؤه عينًا منشأة، بل ذلك أحرى أن

<<  <  ج: ص:  >  >>