للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أهل المعاني: يريد قربَه بالعلم، كما قال: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: ٧]، وقال: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: ٤]، يريد بالعلم (١).

وقوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} قال ابن عباس: أَتَقَبَّل عبادةَ من عَبَدَني وَوَحَّدني (٢).


(١) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٣٤، "الدر المصون" ٢/ ٢٨٩، وقد بين شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" ٥/ ٢٤٧، ٤٦٠ أن ما نطق به الكتاب والسنة من قرب الرب من عابديه وداعيه هو مقيد لا مطلق لجميع الخلق، وذكر رحمه الله أن قرب الله ودنوه من بعض مخلوقاته لا يستلزم أن تخلو ذاته من فوق العرش، بل هو فوق العرش ويقرب من خلقه كيف يشاء، كما قال ذلك من قال من السلف، وهذا كقربه من عبده موسى لما كلمه من الشجرة، وينظر أيضا: "مجموع الفتاوى" ٦/ ١٣، و"النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى" للشيخ عبد الله المحمود ٢/ ٧٣٥ - ٧٥١.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "شرحه للعقيدة الواسطية" ٤٦٠ ما خلاصته: اعلم أن من العلماء من قسم قرب الله إلى قسمين، كالمعية، وقال: القرب الذي مقتضاه الإحاطة قرب عام، والقرب الذي مقتضاه الإجابة والإثابة قرب خاص، ومنهم من يقول. إن القرب خاص فقط، مقتض لإجابة الداعي وإثابة العابد، ولا ينقسم، مستدلين بهذه الآية، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد". رواه مسلم (٤٨٢) كتاب الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود، وهذا اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، وقد أورد على قولهما: قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} وقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ}، وهاتان عامتان في المؤمن والكافر، وأجيب بأن القرب فيهما إنما هو للملائكة، ألا ترى أنه قال بعد الأولى: إذ يتلقى المتلقيان، وهما من الملائكة، وقال في الثانية: ولكن لا تبصرون، أي: لا تبصرون الملائكة وهم حاضرون لقبض الروح.
(٢) هذه من رواية عطاء، وقد تقدم الحديث عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>