للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الآية [الزخرف: ٢٢]. فلا يمكنهم أن يحتجوا بمثل هذا الكلام , ويكون الآباء على الإشراك بعد تذكير الله تعالى بأخذ الميثاق بالتوحيد على كل واحد من الذرية)، هذا هو الكلام على مذهب أهل الأثر (١).

فأما مذهب أهل النظر، فقال أبو إسحاق: (وقال بعضهم: إن الله عز وجل أخرج بني آدم بعضهم من ظهور بعض، ومعنى: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} أن كل بالغ يعلم أن الله عز وجل واحد، لأن كل ما خلق الله دليل على توحيده، فمعنى: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} دلهم بخلقه على توحيده) (٢).

وشرح أبو بكر هذا فقال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ} ذريات (٣) {بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ} أي: أخرجهم وأنشأهم بعد أن كانوا نطفًا في أصلاب الآباء إلى الدنيا على ترتبهم في الوجود {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} أنه ربهم بما أظهر من آياته وبراهينه التي تضطرهم إلى أن يعلموا أنه خالقهم فليس من أحد إلا وفيه من صنعة ربه ما ينبه على أنه بارئه ونافذ الحكم فيه، فلما عرفوا ذلك ودعاهم كل ما يرون ويشاهدون إلى التصديق به كانوا بمنزلة الشاهدين والمشهدين على أنفسهم بصحته، كما قال في غير هذا الموضع: {شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} [التوبة: ١٧]، يريد: هم بمنزلة الشاهدين وإن لم يقولوا: نحن كفرة، وكما يقول الرجل: قد شهدت جوارحي بقولك، يريد: قد عرفته، فكأن جوارحي لو استشهدت وفي وسعها أن تنطق لشهدت، ومن هذا الباب أيضًا {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: ١٨] ,


(١) انظر: "تفسير الطبري" ٩/ ١١٨، والبغوي ٣/ ٣٠٠، والرازي ٣/ ١٧١، والخارن ٢/ ٣١١.
(٢) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٩٠.
(٣) كذا في النسخ، وهو تفسير وليس قراءة.

<<  <  ج: ص:  >  >>