للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومعنى هذا كأنه قال: أخبركم بذلك أحقه حقًا، ومعنى هذا راجع إلى معنى قول الفراء، فعلى قول الزجاج والفراء يعود هذا التأكيد المذكور بقوله (حقًا) إلى إخبار الله تعالى، وعلى قول المبرد يعود إلى تأكيد إيمانهم وتحقيقه، وعلى هذا فكل من استجمع شرائط الإيمان واعتقادها فهو مؤمن في الحال على الحقيقة من غير استثناء (١)، وإنما الاستثناء للحالة المقابلة؛ لأن العبد على غير أمن من العاقبة فيرجو الموافاة على الإيمان إن شاء الله [والناس مختلفون في هذا فأهل الحديث ذهبوا إلى أن المؤمن يقول: أنا


(١) يعني يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، ومسألة الاستثناء في الإيمان من المسائل الكلامية التي أشغلت الفكر الإسلامي دون طائل، وقد انقسمت الأمة في هذه المسألة على ثلاث أقوال:
أ- قيل إن ذلك محرم، وهو مذهب المرجئة والجهمية الذين يرون أن الإيمان شيء واحد لا تفاضل فيه، فالاستثناء في الإيمان شك فيه -كما يرون-.
ب- أن ذلك واجب؛ لأن في تركه تزكية للنفس، وشهادة لصاحبها بأنه من الأبرار المتقين. وهذا قول بعض من ينتسب للحنابلة.
ج- أنه محرم إذا كان للشك، جائز فيما عدا ذلك، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، وقد جوزوا الاستثناء في الإيمان لاعتبارات ثلاث:
١ - أن الإيمان المطلق يتضمن فعل ما أمر الله به عبده كله، وترك ما نهاه عنه كله، والمؤمن لا يستطيع أن يجزم بذلك.
٢ - أن الإيمان هو ما مات الإنسان عليه، فلا عبرة بالإيمان قبل الموافاة عليه، فالمستثني لا يشك في إيمانه وإنما أراد عدم علمه بالعاقبة.
٣ - تعليق الأمر بمشيئة الله تعالى، والإخبار أن إيمانه وعدمه مرهون بمشيئة الله كما قال تعالى: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: ٤٣]، وقوله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير: ٢٩].
انظر: "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" ٧/ ٤٢٩ - ٤٦٠، و"شرح العقيدة الطحاوية" ٢/ ٤٩٤ - ٤٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>