للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٥٨ - قوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً}، قال ابن عباس: يريد: تعلمن (١)، وقد ذكرنا الخوف بمعنى العلم عند قوله: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا} [البقرة: ٢٢٩] وقوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء: ٣٤] (٢).

ومعنى (خيانة) أي نقضًا للعهد، وقوله تعالى: {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ}، قال الزجاج: أي انبذ عهدهم الذي عاهدتهم (٣) عليه، أي: ارم به إليهم، {عَلَى سَوَاءٍ} أي: لتكون أنت وهم سواء في العداوة (٤)؛ فلا يتوهموا أنك نقضت العهد بنصب الحرب، وقال ابن قتيبة: يقول: إن كان بينك وبين قوم هدنة وعهد فخفت منهم خيانة ونقضًا فأعلمهم أنك قد نقضت ما شرطت لهم، وآذنهم بالحرب لتكون أنت وهم في العلم بالنقض على استواء (٥).

هذا معنى الآية، فأما حكمها فإن حملنا الخوف على العلم كما ذكره ابن عباس فلا إشكال فيه، والإمام إذا علم الخيانة ونقض العهد ممن هادنهم من المشركين بأمر ظاهر مستفيض استغنى عن نبذ العهد وإعلامهم بالحرب لأنه حينئذ لا يكون خائنًا إذا ناصبهم الحرب، وإن علم الخيانة بأمارات ظاهرة تلوح وتتضح له من غير أمر مستفيض، فحينئذ يجب على الإمام أن ينبذ العهد إليهم، وهذا هو (٦) المعني بالآية.


(١) المصدر السابق، نفس الموضع.
(٢) قال في هذا الموضع: (إلا أن يخافا: أي يعلما، وإنما كان الخوف بمعنى العلم؛ لأن الخوف مضارع للظن، وحكى الفراء: العرب تقول للرجل: قد خرج غلامك بغير إذنك، فيقول له: قد خفت ذاك، يريد: قد ظننته وتوهمته ..).
(٣) في (ح) و (س): (عاهدتم)، وهو خطأ.
(٤) اهـ. كلام الزجاج. انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٢٠.
(٥) "تأويل مشكل القرآن" ص ٢١.
(٦) ساقط من (ح).

<<  <  ج: ص:  >  >>