للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٤٢ - قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} الآية، قال ابن عباس: نزلت في المستهزئين؛ كانوا يستمعون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - للاستهزاء والتكذيب فلم ينتفعوا باستماعهم (١)، قال الله تعالى: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ}، قال أبو إسحاق: أي: ظاهرهم ظاهر من يستمع (٢)، وهم لشدة عداوتهم وبغضهم بمنزلة الصم (٣).


= قولى تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: ٦] فهي إخبار بالبراءة منهم، والمفاصلة معهم، وأما ما قد يفهم منها من المتاركة وعدم التعرض لهم بسوء فإنه -إن كان الأمر كذلك- من أحكام حالة ضعف المسلمين، وعدم قدرتهم على الجهاد وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فالحكم موقوف بتلك الحالة، ويزول بزوالها، والسلف يطلقون على هذا الحكم لفظ النسخ، وليس هو كذلك في اصطلاح المتأخرين، قال الزركشي في "البرهان" ٢/ ٤٢٣ بعد أن ذكر للنسخ أقسامًا: (الثالث: ما أمر به لسبب ثم يزول السبب، كالأمر حين الضعف والقلة بالصبر وبالمغفرة للذين لا يرجون لقاء الله، ونحوه من عدم إيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد ونحوها، ثم نسخه إيجاب ذلك، وهذا ليس بنسخ في الحقيقة، وإنما هو نسء ... ، وبهذا التحقيق تبين ضعف ما لهج به كثير من المفسرين في الآيات الآمرة بالتخفيف أنها منسوخة بآية السيف، وليس كذلك، بل هي من المنسأ، بمعنى أن كل أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعلة توجب ذلك الحكم، ثم ينتقل بانتقال تلك العلة إلى حكم آخر وليس بنسخ، إنما النسخ الإزالة حتى لا يجوز امتثاله أبدًا). وقال الأصفهاني في "تفسيره" ٤/ ٧٥ أ، بعد أن ذكر قول الكلبي ومقاتل في نسخ الآية: وهذا بعيد؛ لأن شرط الناسخ أن يكون رافعًا لحكم المنسوخ، ومدلول هذه الآية اختصاص كل واحد بأفعاله، وبثمرات أفعاله من الثواب والعقاب، وذلك لا ينافي وجوب الجهاد، فلا تكون آية الجهاد رافعة لشيء من مدلولات هذه الآية.
(١) "زاد المسير" ٤/ ٣٤.
(٢) في (ي): (يسمع).
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>