للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والذي ذكره صاحب النظم شيء لا تبعده طريقة أهل اللغة والمعاني.


= لأن الرضا بالكفر كفر. وقد رد عليه الإمام ابن حجر في "الكافي الشاف" ٨٥ - ٨٦ فقال: وهذا إفراط منه في الجهل بالمنقول والغض من أهله، فإن الحديث صحيح الزيادات، وقد أخرجه الترمذي وصححه والنسائي وابن حبان والحاكم، ثم ذكر الروايات ثم قال: وأما الوجهان اللذان ذكرهما الزمخشري فللحديث توجيه وجيه لا يلزم منه ما ذكره الزمخشري، وذلك أن فرعون كان كافرًا كفر عناد؛ ألا ترى إلى قصته حيث توقف النيل، وكيف توجه منفردًا وأظهر أنه مخلص، فأجري له النيل، ثم تمادى على طغيانه وكفره، فخشي جبريل أن يعاود تلك العادة فيظهر الإخلاص بلسانه فتدركه رحمة الله فيؤخره في الدنيا، فيستمر في غيه وطغيانه فدس في فمه الطين، ليمنعه التكلم بما يقتضي ذلك، هذا وجه الحديث، ولا يلزم منه جهل ولا رضي بكفر بل الجهل كل الجهل من اعترض على المنقول الصحيح برأيه الفاسد. وأيضاً فإن إيمانه في تلك الحال -على تقدير أنه كان صادقًا بقلبه- لا يقبل؛ لأنه وقع في حال الاضطرار ولذلك عقب الآية بقوله: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} وفيه إشارة في قوله تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: ٨٥] اهـ.
قلت: ويمكن أن يضاف إلى ما ذكره الحافظ وجهان آخران: الأول: أن الملِائكة عالم غيبي مفطور على الطاعة ومعصوم من المعصية: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: ٦]، ولذا فلا ينبغي أن تنزل أفعال الملائكة منزلة أفعال الثقلين في الحكم، لاختلاف الطبيعة والتكليف والجزاء. الثاني: أن الملائكة لا تنزل إلا بأمر الله، ولا تفعل إلا بإذنه كما قال تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم: ١٦٤]، وقال -عز وجل-: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: ٢٧]، ولذا ينبغي أن يحمل فعل جبريل -عليه السلام- على أنه بأمر الله وإذنه فلا يكون جهلاً ولا رضي بكفر، بل هو كسجود الملائكة لآدم -عليه وعليهم السلام - والله تعالى يفعل بالأسباب كما يفعل بددونها، فإذا لم يرد الله شيئًا منع أسبابه، وبما أن الدعاء وإظهار الإخلاص سبب الرحمة فقد أرسل الله جبريل لمنع هذا السبب الذي يقتضي مسببه عادة بإذن الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>