للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِيُوسُفَ} أي دبرنا له بأن ألهمناه أن يجعل السقاية في رحل أخيه ليتوصل به إلى حبسه، وهذا معنى ما حكينا عن المفسرين.

وقال أبو بكر (١): {كِدْنَا} وقع خبرًا عن الله تعالى، على خلاف معناه في أوصاف المخلوقين، فإنه إذا أخبر به عن مخلوق كان تحته احتيال. وهو في وصف فعل الله يُعرّى من المعاني المذمومة، ويخلص أنه وقع بمن يكيده ما يريد من حيث لا يشعر به، ولا يقدر على دفعه، فهو من الله مشبه بالذي يكون من المخلوقين، من أجل أن المخلوق إذا كاد المخلوق ستر عنه ما ينويه ويضمر له، والذي يقع به الكيد من الله تعالى يتستر عنه ما كتم الله عاقبته، والذي وقع بإخوة يوسف من كيد الله تعالى ما انتهى إليه شأن يوسف من ارتفاع المنزلة، وتمام النعمة، فحيث جرى الأمر على غير ما قدروا من إهلاكه، وخلوص أبيهم لهم بعده، بتدبير الله وخفي لطفه، جعل ذلك كيدًا لمَّا أشبه كيد المخلوقين (٢) وعلى ما ذكر أبو بكر: كيد الله ليوسف عائد إلى جميع ما أعطاه على خلاف تقدير إخوته من غير أن علموا بذلك. وعلى ما ذكره المفسرون: كيد الله له في هذه الآية خاص بإلهامه الحيلة في حبس أخيه.

وقولى تعالى: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} قال ابن عباس (٣) في رواية عطاء: في حكم الملك وقضائه. وهو قول قتادة (٤)، وروى


(١) "زاد المسير" ٤/ ٢٦١ مختصرًا.
(٢) يراجع مبحث منهجه في تفسير آيات العقيدة، في المقدمة.
(٣) "تنوير المقباس" ص ١٥٢، و"زاد المسير" ٤/ ٢٦١.
(٤) الطبري ١٣/ ٢٥، وعبد الرزاق ٢/ ٣٢٦، وابن المنذر وابن أبي حاتم ٧/ ٢١٧٦، وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ٥٢، والثعلبي ٧/ ٩٨ ب، وابن عطية ٨/ ٣٢، والبغوي ٤/ ٢٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>