للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اختيار الفراء؛ قال: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ} يعني الكفار، إذا قيل لهم مَنْ رزقكم؟ قالوا: الله، ثم يقولون: بشفاعة آلهتنا فيشركون، فذلك إنكارهم نعمته (١)، ونحو هذا روى عطاء عن ابن عباس، قال: يُقِرُّون أنه لا يفعل هذا أحدٌ غيرُه، وهو المستحق للعبادة؛ لأنه المنعم عليهم دون غيره (٢).

وقوله تعالى: {وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} قال أصحاب التأويل: إنما قال وأكثرهم؛ لأن فيهم من لم تقم عليه الحجة ممن [لم] (٣) يبلغ حَدَّ التكليف؛ ومنهم من هو ناقص العقل مأووف (٤) فأراد بالأكثر: البالغين الأصحاء الذين هم المقصودون بالخطاب وإقامة الحجة عليهم (٥)، وقال الحسن: المعنى: وجميعهم الكافرون (٦)، وعلى هذا ذكر الأكثر والمراد الجميع؛ لأن عُظْمَ الشيءِ يقوم مقام جميعه، فَذِكر الأكثرِ كذِكْرِ الجميع، وهذا كقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [النحل: ٧٥] وذكرنا هناك وجهين آخرين، وهذه الآية تدل على أن المعاند كافرٌ، وإن عرف بقلبه إذا لم يُقِرّ بلسانه وأنكر في الظاهر.


(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١١٢، بنصه.
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ص٢٩٠، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ١٦٢، بلا نسبة.
(٣) إضافة يقتضيها السياق ليستقيم الكلام.
(٤) في اللسان (مَأُوُوف) و (مؤُوف): وهو الذي أصابته آفة؛ أي عاهة، يقال: آفت البلادُ تؤُوف أوفًا وآفةً وأُوُوفًا: صارت فيها آفةٌ، والمقصود هنا: العاهة العقلية التي تعيقه عن الفهم والتمييز. انظر: "اللسان" (أوف) ١/ ١٧١.
(٥) ورد في "تفسير الطوسي" ٦/ ٤١٤، بنحوه، وانظر: "تفسير الفخر الرازي" ٢٠/ ٩٥، وقد ذكر تعليلات أخرى.
(٦) ورد بنصه في "تفسير الماوردي" ٣/ ٢٠٧، والطوسي ٦/ ٤١٥، وانظر: ابن الجوزي ٤/ ٤٧٩، وأبي حيان ٥/ ٥٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>