للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وروي عن ابن جريج أنه قال -في هذه الآية-: إنّهم استغاثوا (١) بالله أولاً ثم رجعوا إلى مسألة الملائكة المرجع (٢) إلى الدنيا (٣).

واختار المبرد هذا الوجه فقال: {ارْجِعُونِ} خطاب للملائكة بعد أن قال: رب، مستغيثا. ومثل هذا يكثر (٤) في الكلام عن العرب أن يخاطبوا أحدًا ثم يصرف المخاطبة إلى غيره، لأنَّ المعنى مشتمل على ذلك. وأنشد


= للفراء ٢/ ٢٤١ - ٢٤٢.
وقد جَوَّد هذا الوجه السمين الحلبي ٨/ ٣٦٦، واستظهره الشنقيطي في "تفسيره" ٥/ ٨٢١.
(١) في (أ): (استعانوا)، ومهملة في (ظ).
(٢) في (ظ): (المرجع).
(٣) ذكره القرطبي ١٢/ ١٤٩ وأبو حيان ٦/ ٤٢١ عن ابن جريج. وذكر البغوي ٥/ ٤٢٨ هذا القول وصدَّره بقيل.
وفي نسبة هذا القول إلى ابن جريج نظر؛ والأظهر أن هذا قول الطبري، وبيان ذلك: أنَّ الطبري روى في "تفسيره" ١٨/ ٥٢ عن ابن جريج قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة: "إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا: نرجعك إلى الدنيا؟ فيقول: إلى دار الهموم والأحزان! فيقول: بل قدَّماني إلى الله. وأما الكافر فيقال: نرجعك؟ فيقول: لعلّي أعمل صالحا فيما تركت ... " الآية.
ثم قال الطبري بعد ذلك: وقيل "ربِّ ارجعون" فابتدأ الكلام بخطاب الله تعالى، ثم قيل "ارجعون" فصار إلى خطاب الجماعة، والله تعالى ذكره واحد.
وإنما فعل ذلك كذلك؛ لأن مسألة القوم الرّد إلى الدنيا إنّما كانت منهم للملائكة الذين يقبضون روحهم كما ذكر ابن جريج أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله. وإنما ابتدئ الكلام بخطاب الله جل ثناؤه لأنَّهم استغاثوا به ثم رجعوا إلى مسألة الملائكة الرجوع والرد إلى الدنيا. اهـ.
فظاهر العبارة أن قائل "وإنما ابتدىء ... الدنيا" هو الطبري. والله أعلم.
(٤) في (ظ): (كثر).

<<  <  ج: ص:  >  >>