للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو إسحاق: والعتو في اللغة: المجاوزة في القدر في الظلم (١). وقد مَرَّ (٢).

ثم أعلم الله تعالى أن الوقت الذي يرون فيه الملائكة هو يوم القيامة وأن الله قد حرمهم البشرى في ذلك اليوم فقال (٣):


= لم يجسروا على هذا القول العظيم إلا لأنهم بلغوا غاية الاستكبار، وأقصى العتو. وهو مبني على مذهبه الاعتزالي في إنكار رؤية الله -عز وجل- مطلقاً، في الدنيا والآخرة. والصواب أن وصفهم بالعتو الكبير ليس لأجل طلبهم رؤية الله -عز وجل-، وإنما لأنهم لم يطلبوا الرؤية للإيمان، وإنما طلبوها عناداً واستكباراً. ويدل لذلك أن نبي الله موسى -صلى الله عليه وسلم- قد طلب رؤية الله -عز وجل-: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} الآية [الأعراف: ١٤٣] فلم يُلَم على طلبه الرؤية، ولم تتحقق له لعجزه في الدنيا، كما هو ظاهر من سياق الآية. وعلى هذا فإن ما ذكره الطوسي ٧/ ٤٨٢، وكذا الطبرسي ٧/ ٢٦٠، عن الجبائي أنه قال: وذلك يدل على أنهم كانوا مجسمة، فلذلك جوَّزوا الرؤية على الله التي تقتضي التشبيه. يلزم منه أن يكون نبي الله موسى -صلى الله عليه وسلم- كذلك! والرد هو ما سبق. ثمَّ وجدت قريباً من هذا الرد للرازي ٢٤/ ٧٠. قال البرسوي ٦/ ٢٠٠: ومن لطائف الشيخ نجم الدين في تأويلاته، أنه قال: يشير إلى أن الذين لا يؤمنون بالآخرة والحشر من الكفار يتمنون رؤية ربهم بقولهم: {أَوْ نَرَى} فالمؤمنون الذين يدَّعون أنهم يؤمنون بالآخرة والحشر كيف ينكرون رؤية ربهم! وقد ورد بها النصوص فلمنكري الحشر عليهم فضيلة بأنهم طلبوا رؤية ربهم وجوزوها كما جوزوا إنزال الملائكة. وهذا كلام حسن يقابل ما ذكره الجبائي.
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٦٣. وأخرج ابن أبي حاتم ٨/ ٢٦٧٦، بسنده عن عكرمة أنه قال: العتو في كتاب الله: التجبر.
(٢) قال الواحدي عند تفسير قول الله تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} [الأعراف: ٧٧]: يقال: عتا يعتو عُتُواً؛ إذا استكبر، ومنه يقال: جبار عات. قال مجاهد: العتو: الغلو في الباطل.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٦٣، بنصه.

<<  <  ج: ص:  >  >>