للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرِّوَايَتَينِ وَالوَجْهَينِ): "وَجْهُ الرِّوَايَةِ الأُولَى: أَنَّ الزِّيَارَةَ لِلْمَيِّتِ جَارِيَةٌ مَجْرَى زِيَارَةِ الحَيِّ، وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَلَّمَ عَلَى المَيِّتِ عِنْدَ قَبْرِهِ كَمَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَلَّمَ عَلَى الحَيِّ وَيُسْتَحَبُّ مُصَافَحَةُ الحَيِّ؛ فَجَازَ أَنْ يُسْتَحَبَّ مَسُّ قَبْرِهِ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى المُصَافَحَةِ. وَوَجْهُ الثَّانِيَةِ: إِنَّمَا طَرِيقَةُ القُرْبَةِ تَقِفُ عَلَى التَّوْقِيفِ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ ﵁ فِي الحَجَرِ: (لَولَا أَنِّي رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ يُقَبِّلُكُ لَمَا قَبَّلْتُكَ!) وَلَيسَ فِي هَذَا تَوقِيفٌ" (١).

- الوَجْهِ الخَامِسِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الإِمَامِ أَحْمَدَ نفْسَه -الَّذِي رَوَى تِلْكَ الرِّوَايَةَ المُسْتَنْكَرَةَ- نَقَلَ عَنْ أَبِيه أَنَّهُ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ عُيَينَةَ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ؛ فَأَقَرَّهُ وَلَمْ يَعْتَرِضِ عَلَيهِ! فَرَوَى أَبُو الحَسَنِ -عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ القُزْوِينِيُّ- فِي أَمَالِيهِ قَالَ: "قَرَأْتُ عَلَى عُبَيدِ اللهِ الزُّهْرِيِّ؛ قُلْتُ لَهُ: حَدَّثَكَ أَبُوكَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زَيدٍ -حَمَّادَ بْنَ دَلِيلٍ- قَالَ لِسُفْيَانَ -يَعْنِي ابْنَ عُيَينَةَ- قَالَ: يُتَمَسَّحُ بِالقَبْرِ؟ قَالَ: لَا، وَلَا يُلْتَزَمُ القَبْرُ، وَلَكِنْ يَدْنُو. قَالَ أَبِي: يَعْنِي: الإِعْظَامَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ" (٢).

- الوَجْهِ السَّادِسِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ هَذَا -ابْنَ الإِمَامِ أَحْمَدَ- قَدْ حَكَتِ الحَنَابِلَةُ عَنْهُ تَغْرِيبَهُ فِي كَثِيرٍ مِمَّا يَروِيهِ عَنْ أَبِيهِ فِي الأَحْكَامِ!

قَالَ أَبُو يَعْلَى الحَنْبَلِيُّ فِي كِتَابِهِ (طَبَقَاتُ الحَنَابِلَةِ): "وَقَعَ لِعَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ مَسَائِلُ جِيَادٌ كَثِيرَةٌ؛ يُغَرِّبُ مِنْهَا بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ فِي الأَحْكَامِ! فَأَمَّا العِلَلُ؛ فَقَدْ جَوَّدَ عَنْهُ،


(١) المَسَائِلُ الفِقْهِيَّةُ مِن كِتَابِ الرِّوَايَتَينِ وَالوَجْهَينِ (١/ ٢١٥).
(٢) الإِخْنَائِيَّةُ لِابْنِ تَيمِيَّةَ (ص ٤١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>