للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاللهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِي سُورَةِ الجِنِّ ضَلَالَ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا يَسْتَعِيذُونَ بِمَرَدَةِ الجِنِّ مِنْ سَائِرِ الجِنِّ، وَالاسْتِعَاذَةُ طَلَبٌ وَاسْتِعَانَةٌ، وَلَمْ يَكُونُوا يَقُولُون هَذَا إِلَّا إِذَا نَزَلُوا فِي الأَودِيَةِ! فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ كَبِيرُ الجِنِّ يَسْمَعَ كَلَامَهُم؛ وَهُمْ لَمْ يَطْلُبُوا مِنْهُ مَا لَا يَسْتَطِيعُهُ؛ وَمَعَ ذَلِكَ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى ضَلَالَهُم (١) (٢).


(١) وَإِذَا كَانَتِ الاسْتِعَانَةُ بِالجِنِّ هِيَ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيهِ إِلَّا اللهُ تَعَالَى؛ كَانَتْ حَينَئِذٍ مِنَ الشِّرْكِ الأَكْبَرِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشُّعَرَاء: ٩٦ - ٩٨].
(٢) فَائِدَةٌ: وَأَمَّا زَعْمُ بَعْضِهِم -عِنْدَمَا يَصْطَدِمُ بِنُصُوصِ المَنْعِ السَّابِقَةِ الَّتِي تَمْنَعُ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ الجِنِّ إِطْلَاقًا- أَنَّهُ يَتَعَامَلُ مَعَ المَلَائِكَةِ؛ وَأَنَّهُ يَسْتَعِينُ بِهِم عَلَى قَضَاءِ حَاجَاتِ النَّاسِ؛ فَهُوَ زَعْمٌ بَاطِلٌ لَمْ يَدُلَّ عَلَيهِ الشَّرْعُ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ أَنَّ المَلَائِكَةَ خَلْقٌ مُطِيعٌ لَهُ، يَعْمَلُونَ بِأَمْرِهِ ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٦ - ٢٧]، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَقْدِيمَ مَا حَقُّهُ التَّأْخِيرُ يُفِيدُ الحَصْرَ، فَالمَلَائِكَةُ لَا تَعْمَلُ شَيئًا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهَا أَصْلًا إِلَّا أَنْ يَأْمُرَهَا اللهُ تَعَالَى بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>