للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِدْرَاكٍ، فَنَقُولُ: هَذَا القَدْرُ يَكْفِينَا فِي أَنَّ المَيِّتَ يَسْمَعُكَ وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَجِيبُ لَكَ؛ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَنْفَعَكَ!

بَلْ لَو فُرِضَ سَمَاعُهُ، وَأَنَّهُ يَدْعُو وَيَتَوَسَّطُ بِالخَيرِ لِمَنِ اسْتَغَاثَ بِهِ عِنْدَ اللهِ؛ لَكَانَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ عَمَلِهِ الصَّالِحِ بَعْدَ مَوتِهِ، وَكَيفَ يَصِحُّ هَذَا وَقَدِ انْقَطَعَ عَمَلُهُ مِنَ الدُّنْيِا كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ: ((إِلَّا مِن ثَلَاث)) وَهَذِهِ لَيسَتْ مِنَ الثَّلَاثِ!! فَبَطَلَتْ بِذَلِكَ غَايَتُهُم مِنْ إِثْبَاتِ سَمَاعِ الأَمْوَاتِ. وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ.

الدَّلِيلُ الثَّانِي: قَولُهُ تَعَالَى: ﴿يُولِجُ اللَّيلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فَاطِر: ١٣ - ١٤] (١).

فَهَذِهِ الآيَةُ صَرِيحَةٌ فِي نَفْي السَّمْعِ عَنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانَ المُشْرِكونَ يَدْعُونَهُم مِنْ دُونِ اللهِ تَعَالَى، وَهُمْ مَوتَى الأَولِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ الَّذِينَ كَانَ المُشْرِكُونَ يُمَثِّلُونَهُم فِي التَّمَاثِيلِ وَالأَصْنَامِ (٢).


(١) وَكَقَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ [الأَحْقَاف: ٥].
(٢) وَهُمْ يَعْبُدُونَهَا لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَصْحَابِهَا، وَلَيسَ لِذَاتِهَا! كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ آيَةُ سُورَةِ نُوحٍ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نُوح: ٢٣]، فَفِي التَّفْسِيرِ المَأْثُورِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيرِهِ مِنَ السَّلَفِ: "أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَومِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوحَى الشَّيطَانُ إِلَى قَومِهِمْ أَنْ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٤٩٢٠) وَغَيرُهُ.
وَمَعْنَى (وَتَنَسَّخَ العِلْمُ): "أَي: عِلْمُ تِلْكَ الصُّوَرِ بِخُصُوصِهَا". فَتْحُ البَارِي (٨/ ٦٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>