للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- السِّرُّ فِي أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ إِلَّا بإذْنِهِ هُوَ: كَمَالُ مُلْكِهِ، وَكَمَالُ عِلْمِهِ (١).

١ - فَمَنْ كَانَ مُلْكُهُ نَاقِصًا لَزِمَتْهُ الاسْتِعَانَةُ بِغَيرِهِ كَي يَقْضِيَ حَوَائِجَهُ، لِذَا فَهُوَ لَا يَرْفُضُ طَلَبَهُ بِسَبَبِ حَاجَتِهِ إِلَيهِ، فَهُوَ يَشْفَعُ عِنْدَهُ ابْتِدَاءً لِمَا لَهُ مِنْ مِنَّةٍ عَلَيهِ.

لَكِنَّ اللهَ تَعَالَى لِكَمَالِ مُلْكِهِ هُوَ غَنِيٌّ عَنْهُم؛ فَلَا يَحْتَاجُ أَحَدًا مِنْهُم سُبْحَانَهُ، كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيئًا وَلَا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيهِ تُرْجَعُونَ﴾ [الزُّمَر: ٤٣ - ٤٤] (٢).

٢ - وَمَنْ كَانَ عِلْمُهُ قَاصِرًا أَيضًا لَزِمَهُ مَنْ يُطْلِعُهُ عَلَى مَا فَاتَ عَنْهُ، كَحَالِ الوُزَرَاءِ وَالحُجَّابِ مَعَ المُلُوكِ، لِذَا فَهُوَ لَا يَرُدُّ طَلَبَهُ لِحَاجَتِهِ إِلَيهِ، كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى عَنِ


(١) إِعَانَةُ المُسْتَفِيدِ (١/ ٣٢٧) لِلشَّيخِ الفَوزَانِ حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى، بِتَصَرُّفٍ يَسِيرٍ.
(٢) قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ : "وَاعْلَمْ أَنَّ الْكُفَّارَ أَورَدُوا عَلَى هَذَا الْكَلَامِ سُؤَالًا؛ فَقَالُوا: نَحْنُ لَا نَعْبُدُ هَذِهِ الْأَصْنَامَ لِاعْتِقَادِ أَنَّهَا آلِهَةٌ تَضُرُّ وَتَنْفَعُ! وَإِنَّمَا نَعْبُدُهَا لِأَجْلِ أَنَّهَا تَمَاثِيلُ لِأَشْخَاصٍ كَانُوا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ؛ فَنَحْنُ نَعْبُدُهَا لِأَجْلِ أَنْ يَصِيرَ أُولَئِكَ الْأَكَابِرُ شُفَعَاءَ لَنَا عِنْدَ اللَّهِ. فَأَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ قَالَ: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيئًا وَلَا يَعْقِلُونَ﴾ [الزمر: ٤٣] وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ: أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ؛ إِمَّا أَنْ يَطْمَعُوا بِتِلْكَ الشَّفَاعَةِ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَامِ أَو مِنْ أُولَئِكَ الْعُلَمَاءِ وَالزُّهَّادِ الَّذِينَ جُعِلَتْ هَذِهِ الْأَصْنَامُ تَمَاثِيلَ لَهَا، وَالْأَوَّلُ: بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَمَادَاتِ -وَهِيَ الْأَصْنَامُ- لَا تَمْلِكُ شَيئًا وَلَا تَعْقِلُ شَيئًا، فَكَيفَ يُعْقَلُ صُدُورُ الشَّفَاعَةِ عَنْهَا؟! وَالثَّانِي: بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ فِي يَومِ الْقِيَامَةِ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ شَيئًا، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى الشَّفَاعَةِ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، فَيَكُونُ الشَّفِيعُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهَ الَّذِي يَأْذَنُ فِي تِلْكَ الشَّفَاعَةِ، فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِعِبَادَتِهِ أَولَى مِنَ الِاشْتِغَالِ بِعِبَادَةِ غَيرِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾ [الزمر: ٤٤] ". تَفْسِيرُ الرَّازِي (٢٦/ ٤٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>