للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْذُرُ المُشْرِكُونَ بِالفَتْرَةِ أَو لَا؟ هُوَ أَنَّهُمْ مَعْذُورُونَ بِالفَتْرَةِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَومَ القِيَامَةِ يَمْتَحِنُهُمْ بِنَارٍ يَأْمُرُهُمْ بِاقْتِحَامِهَا؛ فَمَنِ اقْتَحَمَهَا دَخْلَ الجَنَّةَ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُصَدِّقُ الرُّسُلَ لَو جَاءَتْهُ فِي الدُّنْيَا، وَمَنِ امْتَنَعَ دَخَلَ النَّارَ وَعُذِّبَ فِيهَا، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُكَذِّبُ الرُّسُلَ لَو جَاءَتْهُ فِي الدُّنْيَا؛ لَأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا كَانُوا عَامِلِينَ لَو جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ" إِلَى أَنْ قَالَ: "وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى أَيضًا قَبْلَ هَذَا الكَلَامِ بِقَلِيلٍ مَا نَصُّهٌ: وَمِنْهُم مَن ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُم يُمْتَحَنُون يَومَ القِيَامَةِ فِي عَرَصَاتِ المَحْشَرِ؛ فَمَنْ أَطَاعَ دَخَلَ الجَنَّةَ وَانْكَشَفَ عِلْمُ اللهِ فِيهِ بِسَابِقِ السَّعَادَةِ، وَمَن عَصَى دَخَلَ النَّارَ دَاخِرًا، وَانْكَشَفَ عِلْمُ اللهِ فِيهِ بِسَابِقِ الشّقَاوَةِ.

وَهَذَا القَولُ يَجْمَعُ بَينَ الأَدِلَّةِ كُلِّهَا، وَقَدْ صَرَّحَتْ بِهِ الأَحَادِيثُ المُتَقَدِّمَةُ المُتَعَاضِدةُ؛ الشَّاهِدُ بَعْضُها لِبَعْضٍ، وَهَذَا القَولُ هُوَ الَّذِي حَكَاهُ الشَّيخُ أَبُو الحَسَنِ؛ عَلِيُّ بنُ إِسْمَاعِيلَ الأَشْعَرِيُّ عَن أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، وَهُوَ الَّذِي نَصَرَه الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ البَيهَقِيُّ فِي كِتَابِ (الاعْتِقَادِ)، وَكَذَلِكَ غَيرُهُ مِن مُحَقِّقِي العُلَمَاءِ وَالحُفَّاظِ وَالنُّقَّادِ (١). انْتَهَى مَحَلُّ الغَرَضِ مِن كَلَامِ ابنِ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، وَهُوَ وَاضِحٌ جِدًّا فِيمَا ذَكَرْنَا" (٢).


(١) تَفْسِيرُ ابْنِ كَثِيرٍ (٥/ ٥٧).
مَلَاحَظَةٌ: مَا سَبَقَ مِن كَلَامِ الحَافِظِ ابْنِ كَثِيرٍ إِنَّمَا هُوَ فِي الكَلَامِ عَلَى حُكْمِ أَوْلَادِ المُشْرِكِين، إِلَّا أَنَّهُ -كَمَا يَظْهَرُ مِن صَنِيعِ الشَّيخِ مُحَمَّدٍ الأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ أَنَّهُ يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِ أَهْلِ الفَتْرَةِ لِأَنَّ العِلَّةَ وَاحِدةٌ. وَاللهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(٢) أَضْوَاءُ البَيَانِ (٣/ ٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>