للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى بَيَّنْتُهَا فِي تَغْلِيقِ التَّعْلِيقِ، مِنْهَا مِنْ طَرِيقِ حُمَيدٍ عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ وَزَادَ فِيهِ: (فَقَالَ بَعْضُ مَنْ يَلِينِي: إِنَّمَا يَعْنِي القَبْرَ، فَتَنَحَّيتُ عَنْهُ)، وَقَولُهُ: (القَبْرَ! القَبْرَ!) بِالنَّصْبِ فِيهِمَا عَلَى التَّحْذِيرِ، وَقَولُهُ: (وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإِعَادَةِ) [وَهُوَ مِنْ تَعْلِيقِ البُخَارِيِّ عَلَى الأَثَرِ. خُلْدُون] اسْتَنْبَطَهُ مِنْ تَمَادِي أَنَسٍ عَلَى الصَّلَاةِ، وَلَو كَانَ ذَلِكَ يَقْتَضِي فَسَادَهَا لَقَطَعَهَا وَاسْتَأْنَفَ" (١) (٢).

ج- أَنَّ عِلَّةَ النَّهْي وَاحِدَةٌ فِي الحَالَتَينِ؛ وَهِيَ أَنَّهَا ذَرِيعَةٌ إِلَى الشِّرْكِ.

د- أَنَّ الامْتِنَاعَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي المَسْجِدِ الذِي بُنِيَ عَلَى قَبْرٍ -دُونَ العَكْسِ-؛ غَيرُ مُنْضَبِطٍ مِنْ جِهَةِ الوَاقِعِ وَالتَّطْبِيقِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُ أَيِّهِمَا طَرَأَ عَلَى الآخَرِ مِنْ قِبَلِ عَامَّةِ النَّاسِ -اللَّهُمَّ إِلَّا مَنْ شَهِدَ ذَلِكَ، أَو أُخْبِرَ بِهِ جَزْمًا-، وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَدَمَ انْضِبَاطِ القَيدِ هَذَا وَحْدَهُ كَافٍ فِي رَدِّ ذَلِكَ التَّفْرِيقِ. وَالحَمْدُ للهِ عَلَى تَوفِيقِهِ.

وَأَمَّا جَعْلُ حُجْرَةِ عَائِشَةَ -لَمَّا وُسِّعَ المَسْجِدُ- مُثَلَّثَةَ الشَّكْلِ مُحَدَّدَةً؛ فَصَحِيحٌ أَنَّهُ كَي لَا يَتَأَتَّى لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى جِهَةِ القَبْرِ مَعَ اسْتِقْبَالِ القِبْلَةِ؛ لَكِنَّ هَذَا لَا يَعْنِي أَنَّ النَّهْيَ مُنْصَبٌّ فَقَط عَلَى اسْتِقْبَالِ القَبْرِ بِالصَّلَاةِ فَقَط! لِأَنَّ حَقِيقَةَ الأَمْرِ هِيَ زِيَادَةُ الاحْتِيَاطِ -حَتَّى لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ القَبْرَ نَفْسَهُ فِي الصَّلَاةِ-، وَتَثْلِيثِ الجِدَارِ هُوَ كَي لَا تَظْهَرَ صُورَةُ التَّقَصُّدِ لِلحُجْرَةِ الَّتِي فِيهَا القَبْرُ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلجُدْرَانِ الَّتِي أُقِيمَتْ حَولَهُ مَعْنَى أَصْلًا؛ إِذَا كَانَ عَدَمُ الاسْتِقْبَالِ كَافِيًا فِي ذَلِكَ. وَالحَمْدُ للهِ عَلَى تَوفِيقِهِ (٣).


(١) الفَتْحُ (١/ ٥٢٤).
(٢) وَاُنْظُرْ أَشْرِطَةَ فَتَاوَى سِلْسِلَةِ الهُدَى وَالنُّورِ (ش ٦٤٧) لِلشَّيخِ الأَلْبَانِيِّ ، وَكَذَا شَرْحَ كِتَابِ (قُرَّةُ عُيُونِ المُوَحِّدِينَ) (ش ٢٤) لِلشَّيخِ صَالِحِ الفَوزَان حَفِظَهُ اللهُ.
(٣) قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (٥/ ١٤): "وَلَمَّا احْتَاجَتِ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيهِمْ أَجْمَعِينَ وَالتَّابِعُونَ إِلَى الزِّيَادَة فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ حِينَ كَثُرَ المُسْلِمُونَ، وَامْتَدَّتِ الزِّيَادَةُ إِلَى أَنْ دَخَلَتْ بُيُوتُ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ فِيهِ -وَمِنْهَا حُجْرَةُ عَائِشَةَ ؛ مَدْفِنُ رَسُولِ اللهِ وَصَاحِبَيهِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ؛ بَنَوا عَلَى القَبْرِ حِيطَانًا مُرْتَفِعَةً مُسْتَدِيرَةً حَولَهُ لِئَلَّا يَظْهَر فِي المَسْجِدِ فَيُصَلِّي إِلَيهِ العَوَامُّ وَيُؤَدِّي المَحْذُورِ، ثُمَّ بَنَوا جِدَارَينِ مِنْ رُكْنَي القَبْرِ الشَّمَالِيَّينِ، وَحَرَّفُوهُمَا حَتَّى التَقَيَا حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ أَحَدٌ مِنِ اسْتِقْبَالِ القَبْرِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الحَدِيثِ: ((لَولَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذ مَسْجِدًا)). وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَم بِالصَّوَابِ".
تَنْبِيهٌ: عَزُو إِدْخَالِ الحُجْرَةِ فِي المَسْجِدِ إِلَى الصَّحَابةِ لَا يَثْبُتُ؛ كَمَا أَوضَحَهُ الحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الهَادِي فِي كِتَابِهِ الصَّارِمُ المُنْكِي (ص ١٥١).
قُلْتُ: وَفِي (إِكْمَالُ المُعْلِمِ) (٢/ ٢٥٢) شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلقَاضِي عِيَاض: "وَلِهَذَا لَمَّا احْتَاجَ المُسْلِمُونَ إِلَى الزِّيَادَةِ فِي مَسْجِدِهِ لِتَكَاثُرِهِم بِالمَدِينَةِ، وَامْتَدَّتِ الزِّيَادَةُ إِلَى أَنْ أُدْخِلَ فِيهَا بُيُوتَ أَزْوَاجِهِ" فَلَمْ يَذْكُرِ الصَّحَابَةَ؛ فَتَنَبَّهْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>