للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ لَنْ تُرَاعُوا، إنَّمَا أَرَدْتُ السَّاحِرَ. فَأَخَذَهُ الأَمِيرُ فَحَبَسَهُ، وَأَمَرَ بِهِ الوَلِيدُ دِينَارًا -صَاحِبَ السِّجْنِ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا- فَسَجَنَهُ، فَأَعْجَبَهُ نَحْوُ الرَّجُلِ، فَقَالَ: أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَهْرُبَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاخْرُجْ؛ لَا يَسْأَلْنِي اللهُ عَنْكَ أَبَدًا! فَبَلَغَ ذَلِكَ سَلْمَانَ، فَقَالَ: بِئْسَمَا صَنَعَا! لَمْ يَكُنْ يَنْبَغي لِهَذَا -وَهُوَ إِمَامٌ يُؤْتَمُّ بِهِ- يَدْعُو سَاحِرًا يَلْعَبُ بينَ يَدِيهِ! وَلَا يَنْبَغِي لِهَذَا أَنْ يُعَاتِبَ أَمِيرَهُ بِالسَّيفِ (١).

قَالَ الشَّيخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "وَمِثْلُ هَذَا السَّاحِرِ المَقْتُولِ؛ هَؤُلَاءِ الطُّرُقِيَّةُ الَّذِينَ يَتَظَاهَرُونَ بِأَنَّهُم مِنْ أَولِيَاءِ اللهِ؛ فَيَضْرِبُونَ أنْفُسَهُم بِالسَّيفِ وَالشِّيشِ، وَبَعْضُهُ سِحْرٌ وَتَخْيِيلٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَبَعْضُهُ تَجَارِبٌ وَتَمَارِينٌ يَسْتَطِيعُهُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ مُؤْمِنٍ أَو كَافِرٍ إِذَا تَمَرَّسَ عَلَيهِ؛ وَكَانَ قَوِيَّ القَلْبِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَسُّهُم النَّارَ بِأَفْوَاهِهِم وَأَيدِيهِم، وَدُخُولُهُم التَّنُّورَ" (٢).

- قَولُهُ: ((وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ)) القَذْفُ: بِمَعْنَى الرَّمِيُ، وَالمُرَادُ بِهِ هُنَا الرَّمْيُ بِالزِّنَا، وَالمُحْصَنَاتُ هُنَا الحَرَائِرُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.

- قَولُهُ: ((الغَافِلَاتُ)) هُنَّ العَفِيفَاتُ عَنِ الزِّنَا؛ البَعِيدَاتُ عَنْهُ؛ اللَّاتِي لَا يَخْطُرُ عَلَى بَالِهِنَّ هَذَا الأَمْرُ، وَ ((المُؤْمِنَاتُ)) احْتِرَازًا مِنَ الكَافِرَاتِ (٣).


(١) صَحِيحٌ. الحَاكِمُ (٨٠٧٦)، وَالدَّارَقُطْنِيُّ (٣٢٠٥)، وَالبَيهَقِيُّ فِي الكُبْرَى (١٦٥٠١)، وَالأَصْلُ لِلحَاكِمِ، وبَعْضُ الجُمَلِ مُضَافَةٌ مِنْ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي أَورَدَهَا الأَلْبَانِيُّ ﵀ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ. اُنْظُرِ التَّعْلِيقَ عَلَى حَدِيثِ الضَّعِيفَةِ (١٤٤٦).
(٢) الضَّعِيفَةُ (١٤٤٦).
(٣) قَالَ العَينِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (عُمْدَةُ القَارِي) (١٤/ ٦٢): "احْتَرَزَ بِهِ عَنْ قَذْفِ الكَافِرَاتِ؛ فَإِنَّ قَذْفَهُنَّ لَيسَ مِنَ الكَبَائِرِ، وَإِنْ كَانَتْ ذِمّيَّةً فَقَذْفُهَا مِنَ الصَّغَائِرِ لَا يُوجِبُ الحَدَّ، وَفِي قَذْفِهِ الأَمَةَ المُسْلِمَةَ التَّعْزيرُ دُونَ الحَدِّ".

<<  <  ج: ص:  >  >>