للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَفَا اللهُ عَنَّا وَعَنْهُ- قَولُهُ تَعَالَى في (ق: ٢٧ - ٢٩) ﴿قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيكُمْ بِالوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾! وَلِهَذَا قَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيمِيَّةَ ﵀ عَقِبَهُ (١): (وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ صَادِقٌ فِي وَعِيدِهِ أَيضًا، وَأَنَّ وَعِيدَهُ لَا يُبَدَّلُ، وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ القَائِلُونَ بِأَنَّ فُسَّاقَ المِلَّةِ لَا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ! وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيهِمْ فِي غَيرِ هَذَا المَوْضِع. لَكِنَّ هَذِهِ الآيَةَ تُضْعِفُ جَوَابَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ إخْلَافَ الوَعِيدِ جَائِزٌ! فَإِنَّ قَوْلَهُ: ﴿مَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ﴾ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿وَقَدْ قَدَّمْتُ إلَيكُمْ بِالوَعِيدِ﴾ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَعِيدَهُ لَا يُبَدَّلُ كَمَا لَا يُبَدَّلُ وَعْدُهُ) " (٢).

وَعَلَى العُمُومِ؛ فَإِنَّ الأَمْرَ فِي نُصُوصِ الوَعِيدِ هُوَ كَمَا قَالَ أَهْلُ العِلْمِ: "هَذَا مِنْ نُصُوصِ الوَعِيْدِ الَّتِي كَرِهَ السَّلَفُ تَأْوِيْلَهَا، وَقَالُوا: أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ، وَمَنْ تَأَوَّلَهَا فَهُوَ عَلَى خَطَرٍ مِنَ القَولِ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ.

وَأَحْسَنُ مَا يُقَالُ: إنَّ كُلَّ عَمَلٍ دُونَ الشِّرْكِ وَالكُفْرِ -المُخْرِجِ عَنْ مِلَّةِ الإِسْلَامِ-؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى مَشِيْئَةِ اللهِ، فَإِنْ عَذَّبَهُ فَقَدِ اسْتَوجَبَ العَذَابَ، وَإِنْ غَفَرَ لَهُ فَبِفَضْلِهِ وَعَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ" (٣).


(١) مَجْمُوعُ الفَتَاوَى (١٤/ ٤٩٨).
(٢) انْظُرْ كِتَابَ (رَفْعُ الأَسْتَارِ لِإِبْطَالِ أَدِلَّةِ القَائِلِينَ بِفَنَاءِ النَّارِ) لِلْصَنْعَانِيِّ (ص ٤٤) بِتَعْلِيقِ شَيخِنَا الالبَانِيِّ ﵀.
قُلْتُ: وَلِتَمَامِ الفَائِدَةِ؛ فَقَدْ تَابَعَ شَيخُ الإِسْلَامِ ذَلِكَ بِقَولِهِ: "لَكِنَّ التَّحْقِيقَ: الجَمْعُ بَينَ نُصُوصِ الوَعْدِ وَالوَعِيدِ، وَتَفْسِيرُ بَعْضِهَا بِبَعْضِ مِنْ غَيرِ تَبْدِيلِ شَيءٍ مِنْهَا؛ كَمَا يُجْمَعُ بَينَ نُصُوصِ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ مِنْ غَيرِ تَبْدِيلِ شَيءٍ مِنْهَا".
(٣) فَتْحُ المَجِيْدِ (ص ٣٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>